بدأت حياتك مقاتلًا مناضلًا مدافعًا عن أرضك ووطنك وتخليت عن السلاح قائدًا وعشت مع الناس وللناس في زمن، أعتقدنا فيه أن الحرب انتهت وعمّ السلام في الوطن الذي أحببت ومن أجله ناضلت... وتركت هذه الدنيا الفانية زعيمًا ليس بأصوات إنتخابية، بل بألاف القلوب
التي نبضت حبًا لك في يوم وداعك.
إبن الدكتور جوزف الأشقر والست فريدة يحمل سلاحًا ويخوض المعارك؟
إبن الحكيم يرتدي البدلة الخضراء للقتال في ساحات المعارك؟ نعم هكذا كان وهكذا أراد بوسي أن يكون.
لا لا لم أنتقص أبدًا من قيم المناضلين المقاومين الحقيقيين الذين حملوا السلاح من أجل الدفاع عن لبنان العظيم وعن الذين قدّموا دماءهم لأجله، ومنهم أخي طوني. هم أيقونة المقاومة اللبنانية التي انطلقت مع البشير وأبناء الأحياء في الأشرفية وعين الرمانة وفرن الشباك والدكوانة وأبناء جرد كسروان وجبيل والبترون والساحل والجبل. هم أيقونة المقاومة اللبنانية التي قاومت كل محتل للأرض.
حمل بوسي، رفيقنا في الحكمة، السلاح مع أحباء قلبه أبناء مار متر وكرم الزيتون والمدور والصيفي والرميل والجعيتاوي وفسوح ومار مخايل والجميزة ونزل إلى أرض المعركة.
مسعود أطلقنا عليه اسم بوسي لحسّه المرهف وتهذيبه واحترامه للجميع وتواضعه. ولم أعتقد يومًا أن ابن الحكيم والكشافة سينخرط في الحرب للدفاع عن لبنان العظيم. عن لبنان الذي أحبّ والذي تخلّى عن الكثير الكثير من أجله، ولم يتخلَ عنه.
تخلّى عن سلاحه الذي قاوم به من أجل القضية، عندما ضاعت هذه القضية في انتفاضات بين أهل الصف الواحد... ألمه هذا الإنقسام الدامي بين أبناء العائلة الواحدة... وراح يناضل ويقاوم من أجل القضية، من خلال الوقوف مع أبناء القضية لا مع زعمائها، وكان لهم السند والأب والأخ والصديق، وخلّد ذكرى من مات ليحيا لبنان. نعم، ما كان يقوم به بوسي من أجل الإنسان، وأنا الشاهد على أعماله، لم تَقم به أحزاب ولا مؤسّسات. تحمّل قلبه الكثير لمساعدة محتاج في مدرسة أو جامعة أو مستشفى.
الحبيب بوسي لم يكتسب قلوب الناس بشيك مصرفي أو بورقة بانكنوت، بل بقلب ما نبض إلا محبةً وإخلاصًا ووفاءً للقضية وناسها. لم يَرِد المناصب، لأنه أكبر منها، وهذا ما شاهدناه منذ اليوم الأول لدخوله المستشفى وحتى يوم وداعه المؤثّر بالكلمات التي قالتها رايسا نيابة عن شقيقاتها والوعد الذي اطلقته لوالدها بالمحافظة على القيم التي ربّاهنّ عليها مع العزيزة غريتا المفجوعة لفقد الرجل الذي عاشت نضاله ٤٥ عامًا، وأعظمها المحبة والتواضع.
بوسي لن أتحدّث عن علاقتي بك وعن علاقتك بي وعن علاقتك بالحكمة وأبنائها وأساقفتها وآبائها وآساتذتها وموظفيها وقداماها وناديها وكشافتها وعن علاقتهم بك، لان الكلام عن هذه وتلك كثيرٌ وكثيرٌ جدًا.
بوسي حبيبي وصديقي ورفيق العمر، وإن أوجعتنا في رحيلك المفاجىء ونحنُ بعدُ بحاجة إليك ستبقى في قلوبنا وعائلتك أمانة في أعناقنا، وإن تركتنا من دون إستئذان، ستبقى الحبيب والصديق والأخ الكبير الذي معه كنّا نشعر بالأمان في زمن الغدر وخيبات الأمل ونكران الجميل...
بوسي نحن بحاجة إلى صلاتك من فوق، مع الدكتور جوزف الأشقر الذي ترجم في حياته محبّته للحكمة مدرسته قولًا وفعلًا واختارها مدرسة لأولاده مارون ونبيل ومسعود مع بداية النصف الثاني من القرن الماضي، بحاجة إلى صلاتك معه ومع والدتك فريدة وشقيقك مارون، من أجل لبنان والقضية ومن أجل كل مَن أحببت على هذه الأرض، التي قدمت كل شيء من أجلها.
بوسي... عشت مقاتلًا مناضلًا مقاومًا وتخليت عن السلاح قائدًا وتركت هذه الدنيا زعيمًا رغمًا عنك، فكنت كبيرًا في تواضعك.
فذكرك سيكون مؤبدًا في قلوبنا.