بعد ست سنوات من الدراسة الجامعية يتخرج "الطبيب" باختصاص: طب عام، وبعدها يُكمل الدراسة العليا لاربع سنوات اقله، في تخصص طبي اساس، وبعدها، ايضاً، ثلاث سنوات ليقدم مجموعة من الابحاث المحكّمة لينال رتبة "بروفسور".
تذهب الى طبيب متخصص بأمراض القلب وتسأله عن وجع في معدتك، فينصح بأن تزور طبيب اختصاص في الجهاز الهضمي.
تقصد محامياً في الاستنئناف وتستشيره في قضية عالقة بينك، كمستأجر، وبين مالك المنزل الذي تسكنه، فيقترح ان تسأل محامياً متخصصاً بالايجارات والعقود.
تطلب من مهندس صديق ان يعدّ لك مخططاً لمنزل في "الضيعة"، فيعتذر بلطف منبهاً بأنه "مهندس مدني" وانت بحاجة الى "مهندس معمار".
تصلّح "ضربة" في باب السيارة، وتسأل الحداد ان "يرشّ" لك مكان الضربة، فيضحك قائلاً: "ريّس" انت بحاجة الى دهّان سيارات.
اذن، هو الاختصاص في كل المهن.
الا في الاعلام...
ترى بعض "مدعيّ الاعلام الطارئين على المهنة والاختصاص في زمن القحط"، وليس جميعهم "ومنهم من نحترم ونقدر"، يشيرون على طبيب الاختصاص بدواء سمعوا به من الجارة ام فلان ونفعها، او ينصحونه بآليات اجراء جراحة للعامود الفقري اخبرهم بها مريض كان تحت تأثير "البنج".
او، يدلّون المحامي على ثغرات القانون الذي "طقّ قلبه وهو يدرس مواده" ومهام الدفاع والادعاء، بل والاحكام التي يستند اليها في قضية عالقة بين رجل وزوجته.
او، يرسمون مخططاً لمدينة نموذجية بألوان زاهية "فَـشَـر" ان يأتي بمثلها أم. ويعجز عن خطوطها وزواياها ليوناردو دافنشي.
او، يناقشون في السياسة، فيحاججون هوبس، ولوك، ومونسيكو، معاً، ويدفعون افلاطون الى البكاء بالزاوية، وهم لم يسمعوا الا شعارات الحزب وخطب الزعيم، ونسوا، او غاب عنهم اصلاً، "ان السياسة هي فن قيادة الناس"، وليس تضليلهم.
كيف يمكن لمن سبقوا الدراسة "اون لاين"، ومنهم من درس "اون كافتيريا" ايام الجامعة التي دخل اليها بـ"الواسطة"، كيف يمكن ان يقتنعوا بأنهم ليسوا جهابذة عصرهم، وتحفة زمانهم، واذكياء جيلهم، لمجرد ان صاحب وسيلة اعلامية يهمه نسب المشاهدة ليتاجر بالاعلانات فتح الشاشات "لعصارة افكارهم النيّرة"؟ او لأنهم يمتلكون "صفحة" على وسائل التواصل الاجتماعي، اصبحت اليوم تسمى "موقعاً اخبارياً" بلغة المتفقهين في علم الغيب والتنجيم، بل ويطالبون بترخيصها، كامتياز، لوسيلة اعلامية؟
كيف يمكن لهؤلاء ان يفهموا ان الاعلام اختصاص مبني على الإخبار والموضوعية والصدق، وليس على تعميم وفرض "رأيك"! على الجمهور؟ وليس بإستلال جزء من المعلومة والبناء عليها لحشر وجهة "نظرك انت"! واعتبارها الصواب بعينه.
يعاقب القانون منتحل صفة الصحفي بالحبس والغرامة. وبغياب العمل بالقانون الذي يحمي مهنة الصحافة، تعاقب الصحافة بمنتحلي الصفة.
كفى... كفى... كفى...
بس هيك.