حتماً، سينهي الرئيس المكلف سعد الحريري جولاته الخارجية، ويعود الى لبنان، موقع القرار الحقيقي، تحديداً في المسألة التي تعنيه راهناً، كذلك التي تعني جميع اللبنانيين، في هذه الظروف الدقيقة التي يمر فيها البلد، وهي ولادة الحكومة المرتقبة، ليعود بذلك الحريري الى السرايا الكبيرة، وهذا ما يأتي في سلم أولوياته، وهو يدرك تمام الإدراك، أن هذه العودة غير متاحة على الإطلاق، من دون التوقيع الدستوري لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على مرسوم تشكيل حكومة الحريري المرتقبة، هذا إذا تسنى لها الولادة. بناء على ذلك، ترجّح مصادر سياسية متابعة لمسار تأليف الحكومة، أن يعود الحريري في وقتٍ قريبٍ الى بيروت، ويعاود نشاطه السياسي الآيل الى ولادة حكومته المنتظرة، ولهذه الغاية قد يليّن مواقفه من الرئيس عون والتيار الوطني الحر، في سبيل التفاهم على تأليف حكومة، تحد من الإنهيار الذي يشهده البلد، ثم تبدأ بوضع خطةٍ سريعةٍ للنهوض قبل الوصول الى الكارثة، على حد تعبير المصادر .
وتعقيباً على ما ورد آنفاً، يستبعد مرجع نيابي عودة المياه الى مجاريها بين بعبدا وبيت الوسط سريعاً، كذلك الأمر بالنسبة إلى إمكان تليين مواقف الرئيس المكلف من رئيس الجمهورية، خصوصاً إثر تسريب التسجيل المصور، الذي هاجم فيه عون، الحريري بشدةٍ، ما يؤكد إتساع الهوة بينهما، بالتالي، بات من الصعوبة ردمها "بسحر ساحرٍ"، على حد تعبير المرجع. ولا يرى في الأفق القريب صدور مرسوم تشكيل حكومةٍ عتيدةٍ، عازياً السبب في ذلك، الى وضع فيتو خليجي، وضغط على لبنان والحريري معاً، ليس من أجل عدم مشاركة حزب الله في الحكومة المرتقبة فحسب، بل من أجل التوصل الى حكومةٍ تطلب نزع سلاح المقاومة، تماشياً مع أجواء التطبيع الخليجي مع العدو الإسرائيلي. ويكشف المرجع النيابي أن سفير دولة خليجية مؤثرة في الساحة اللبنانية، أبلغ زواره، "أن لبنان لم يعد من أولوياتنا، وفي حال أردتم نيل مساعادتنا، عليكم قبلها، تأليف حكومة تطالب علناً بنزع سلاح حزب الله، (أحد أبرز أذرع إيران في المنطقة)، لنبحث في مساعدة لبنان بعد ذلك". أمام هذه المواقف الخليجية المتشددة حيال حزب الله، يعتبر المرجع أن هناك شبه إستحالة ولادة حكومةٍ جديدةٍ برئاسة الحريري، لأنه غير قادر على تجاوز قوة لبنانية وإقليمية وزانة (أي حزب الله) عند تأليف أي حكومة مرتقبة. وفي حال دخوله في شراكة مع "الحزب"، سيفقد حاضنته الإقليمية، وسيجلب المزيد من الغضب الخليجي، تحديداً السعودي عليه، ودائماً برأي المرجع. وفي هذا السياق كان لافتاً، عدم إستقبال المملكة السعودية، للحريري، خلال جولاته الخارجية الأخيرة.
أمام هذا الواقع، وبعد هذه المواقف المتشددة خليجياً، لاريب أن التعثر في ولادة الحكومة، مردّه ليس الى العلاقة المتوترة بين عون والحريري فقط، بل الى الرفض الخليجي لأي مشاركة لحزب الله من قريب أو بعيد في أي حكومةٍ جديدةٍ، بل أبعد من ذلك، فقد بلغ التصعيد الخليجي ضد المقاومة في لبنان، الى حد الطلب من أي حكومةٍ عتيدةٍ، ضرورة المطالبة بنزع سلاح الأولى، ما يدحض كل المعلومات المغلوطة التي تناولها بعض الإعلام في الآونة الأخيرة، ومفادها: " أن حزب الله وسط التباعد بين بعبدا وبيت الوسط، يقف الى جانب الحريري في تأليف الحكومة"، ويطرح السؤال هنا، كيف يمكن لحزب الله أن يقف الى جانب طرفٍ سياسيٍ يدور في فلك دولٍ إقليميةٍ تسعى للإجهاز على الحزب، والتخلي عن حليفٍ أساسيٍ وحقيقيٍ، وقف الى جانب الحزب في أحلك الظروف وأدقها، كعدوان تموز 2006، عندما تخلى معظم الأفرقاء المحليين وغير المحليين عن الحزب، إن لم نقل أنهم تآمروا عليه؟
بناء على ما ورد آنفاً، لاريب أن الحريري بات في واقعٍ مأزومٍ، ليس بالسهولة الخروج منه، ولكن في الوقت عينه، من الإستحالة أن يعتذر عن التأليف، بحسب رأي المرجع النيابي المذكور أعلاه.
وفي هذا السياق، تميل مصادر سياسية وسطية الى رأي المرجع النيابي، في شأن إعتذار الحريري عن التأليف، مؤكدة أن خروجه من السلطة، قد لايعيده اليها في المدى المنظور، ما يؤدي الى المزيد من التراجع في شعبيته في الشارع السني، خصوصاً بعد صدور حكم المحكمة الدولية في قضية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بالتالي لم يعد رفع شعار " المطالبة بتطبيق العدالة الدولية في حق القتلة"، موضع إستقطاب، على حد قول المصادر. وتلفت الى أن الحريري، لايزال الأقوى تمثيلاً في الساحة السنية، ولا يمكن تجاوزه في مسألة تشكيل الحكومة، مستبعدةً، سحب النواب تكليفهم الذي فوضه للحريري، لتأليف الحكومة، كونها واقعة لم تشهدها الحياة البرلمانية منذ توقيع إتفاق الطائف في العام 1989. ولما لها من تأثيرات خطرة على التوزان الوطني في السلطات الدستورية، وكذلك على نموذج العيش الواحد، لذلك لا تستغرب أن نشهد تلييناً في المواقف بين أطراف "التأليف"، تختم المصادر.
وفي السياق عينه، يجزم قريب من فريق الثامن من آذار ومحور المقاومة، أن مسألة تأليف الحكومة، دخلت في إجازةٍ طويلةٍ، وأن "الجرة إنكسرت" بين عون والحريري، مشيراً الى أن موقع رئيس الجمهورية دستوري، بالتالي لن يستقيل، كرمى لعيون الحريري، ومن يقف وراءه. ومن البديهي، أن يكمل الرئيس عون ولايته، لذلك، لن يستطيع أن يبقى الحريري رئيساً مكلفاً الى أجل غير مسمى، وليس أمامه إلا التزام الدستور، ووحدة المعايير في عملية تأليف الحكومة، أم الإعتذار.
كذلك يؤكد المرجع، سقوط المبادرة الفرنسية، إذا كانت تهدف الى مصادرة ما تبقى من صلاحيات رئاسة الجمهورية بعد الطائف، والغاء نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، ذلك في محاولة لإعادة إمساك "الحريرية" منفردةً في مفاصل الحكم في لبنان. ويختم : " سيسجل التاريخ أن العماد ميشال عون، أسقط أكبر مؤامرة، أعد لها لتستهدف لبنان، وثروته، ورئاسة الجمهورية فيه".