صحيح أنّ عدد الأشخاص الذين شُفيوا من وباء "كوفيد 19" في لبنان تجاوز المئة وخمسين ألف شخص، لكنّ الأصحّ أنّ عدد الحالات النشيطة تجاوز حاليًا مجموع مئة ألف شخص(1). ومع وتيرة التزايد الكبيرة والسريعة، فإنّ هذا الرقم قد يتضاعف خلال أسبوعين فقط! فهل سيتمّ تمديد الإقفال العام والتام؟.
بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّ عدد فحوصات "بي سي آر" في لبنان إرتفع إِلى أكثر من عشرين ألف فحص يوميًا، والخطير أنّ نسبة الفُحوصات الإيجابيّة باتت بحدود تتراوح ما 20 و25 %، وهذا رقم مرتفع جدًا، ويكشف الإزدياد المُتسارع في أعداد المُصابين، حيث أنّ بين كل أربعة أشخاص يجرون الفحص (عادة من بين المُخالطين لحالات موثّقة)، يُوجد شخص مُصاب على الأقلّ من بينهم. وبحسب الإحصاءات الطبيّة العالميّة، مع السلالة القديمة من وباء "كوفيد 19"، إنّ كل مريض ينقل العدوى إلى 1,1 من الأشخاص على الأقلّ، بينما مع السلالة الجديدة من الوباء-الذي ثبت أنه أسرع إنتشارًا، إنّ كل مريض ينقل العدوى إلى 1,5 من الأشخاص بمعدل عام. وبالتالي مع إستمرار تفشّي هذه السلالة في لبنان، من المتوقّع إزدياد سرعة إنتشار الوباء أكثر فأكثر.
والأخطر من ذلك يتمثّل في تضاعف أرقام الوفيّات الأسبوعيّة في لبنان(2)، حيثباتت تزيد عن مئتي شخص في الأسبوع، علمًا أنّ الوفيّات الحالية هي لمرضى أصيبوا بالعدوى خلال نهاية تشرين الثاني وأوّل كانون الأوّل الماضيين. وبالتالي من المُتوقّع أنّ يتمّ خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، إحصاء وفيّات الفترة الزمنيّة المُمتدة من نهاية كانون الأوّل الماضي إلى بداية كانون الثاني الحالي، حيث سنشهد إرتفاعًا أكيدًا في إجمالي عدد الوفيّات. ويجب ألا ننسى أنّ القطاع الطبّي يُواجه حاليًا نقصًا حادًا في العديد والعتاد، نتيجة وفاة 11 طبيبًا، ووجود 25 طبيبًا في العناية الفائقة، وما لا يقلّ عن 300 طبيب في الحجر-حتى تاريخه، ناهيك عن مُغادرة 500 طبيب إلى مُختلف دول العالم بفعل الأزمة الإقتصاديّة الحادة. وفي ما خصّ المُمرّضين والمُمرّضات، فإنّ المئات منهم هم خارج الخدمة حاليًا، بسبب إصابتهم بالوباء، علمًا أنّ نحو 600 منهم غادروا إلى دول عربيّة مُختلفة، بعد إنهيار قيمة رواتبهم محليًا إلى قرابة مئة دولار ونيّف شهريًا بمعدّل عام، وحُصولهم على عروض وظيفيّة أفضل بكثير في الخارج.
وإنطلاقًا من هذا الواقع، يُنتظر أن تتكاثر خلال الساعات والأيّام القليلة المُقبلة الدعوات المُطالبة بتمديد الإقفال العام والتام، لأسابيع عدّة، بحجة ضرورة إتخاذ هذا القرارلخفض هذه الأرقام الخطيرة، علمًا أنّه من المُتوقع في المُقابل أن تتصاعد أصوات مُعترضة كثيرة أيضًا، بسبب عجز الكثيرين عن تأمين قوتهم اليومي، نتيجة وقف أعمالهم. والقرار النهائي، سيصدر في نهاية الأسبوع الحالي، بناء على تطوّر أعداد المُصابين ووضع المُستشفيات في التعامل مع المُصابين، مع إتجاه شبه أكيد لتمديد الإقفال العام والتام، حتى الأوّل من شباط المُقبل على الأقلّ، وهو التاريخ الذي كان مُحدّدًا في الإقفال الجزئي السابق والذي تحوّل بعد أيّام إلى إقفال عام وتام.
إشارة إلى أنّ الإحصاءات العالميّة، أثبتت أنّ ما بين 70 و80 % من إجمالي إصابات وباء "كوفيد 19" تحصل خلال تجمّعات داخل المنازل، وبقيّة الإصابات تحصل نتيجة الإختلاط الإجتماعي في الخارج(3). من هنا، إنّ قرارات الإقفال العام التي يتمّ تطبيقها في العالم، تترافق مع تشدّد صارم في منع أيّ تخالط إجتماعي داخل المنازل، وفي فرض عُقوبات وغرامات ماليّة مُوجعة على المُخالفين. وبالتالي إنّ تمديد الإقفال العام في لبنان، حتى لو جرى التشدّد في تطبيقه في كل الأماكن-وهو ما لم يحصل حتى تاريخه، لن يُوقف إستمرار تفشّي الوباء، ما لم يتمّ التشدّد في منع قيام الناس بإستقبال الجيران، وبإستضافة الأقارب والأصدقاء داخل المنازل، بمُساعدة من شرطة البلديّات، وخُصوصًا عبر حملات التوعية.
والأهم من تطبيق الإقفال العام بحزم، ومن منع التخالط الإجتماعي كليًا-حتى داخل المنازل،من الضروري الإسراع في تأمين أكبر قدر مُمكن من اللقاحات إلى لبنان. والتأخير الذي حصل في فتح هذا الباب من جانب السُلطات الرسميّة المَعنيّة، ستكون له إنعكاسات سلبيّة جدًا على إستمرار التفشّي الوبائي. إشارة إلى أنّ ما يُحكى عن تأمين ما مجموعه 2,1 مليون لقاح، بشكل تدريجي وعلى دفعات من 250000 لقاح كل مرّة، إعتبارًا من الشهر المقبل، يعني عمليًا القُدرة على تلقيح نحو مليون شخص فقط عند إكتمال وُصول كامل هذه الكميّة، لأنّ كل شخص يحتاج للقاحين لتأمين الفعاليّة، علمًا أنّ الوُصول إلى مناعة مُجتمعيّة من العدوى تستوجب تلقيح ما لا يقلّ عن 70 إلى 80 % من سُكان لبنان الذين يبلغ عددهم نحو ستة ملايين نسمة. وبالتالي، سنكون في أمام فترة إنتظار طويلة للوُصول إلى هذا الهدف، حتى مع فتح باب إستيراد اللقاحات أمام القطاع الخاص!.
في الختام، وكما هو واضح، إنّ القطاع الصحّي اللبناني عاجز عن التعامل مع الزيادة السريعة في أعداد مرضى "كوفيد 19" الذين يدخلون إلى المُستشفيات، ويبدو أنّ القرار سيكون لصالح تمديد الإغلاق الشامل لفترة لا تقلّ عن أسبوع إضافي، في محاولة يائسة للسيطرة على الجائحة، بعد أن فقدنا السيطرة كليًا، نتيجة إدارة سيّئة للملفّ من قبل السُلطات الرسميّة المَعنيّة، وعدم تجاوب المُستشفيات الخاصة بالشكل اللازم مع الدعوات للتحضير الإستباقي(4) بسبب خلافات ماليّة مع الدولة، وخُصوصًا بسبب إستهتار قسم كبير من اللبنانيّين بأرواحهم وأرواح الآخرين، وعدم إلتزامهم بأدنى إجراءات الحماية.
1- بات العدد التراكمي لإجمالي المُصابين المُسجّلين في لبنان أكثر من 250 ألف مُصاب، ناهيك عن أولئك الذين أصيبوا لكنّهم لم يتوجّهوا ِإلى أي مُستشفى ولم يقوموا بأي فحص "بي سي آر".
2- الرقم سيتجاوز إجمالي ألفي وفاة في الأيّام القليلة المُقبلة.
3- مكان العمل، الأسواق على أنواعها، المؤسّسات والشركات، الملاهي والمطاعم، إلخ.
4- لبنان كان قد بدأ معركته مع وباء "كوفيد 19" قبل نحو سنة من اليوم، مع توفّر 165 جهاز تنفّس في المُستشفيات الحُكوميّة، و1020 جهاز تنفّس في المُستشفيات الخاصة، فقط لا غير، قبل أن يتم رفع هذه الأرقام، وزيادة الأسرّة الخاصة بمرضى "كوفيد 19".