بدأ الكثيرون يترقبون الايام القليلة المقبلة لوصول الى موعد الاربعاء 20 كانون الثاني المقبل، معتبرين ان هذا الموعد يحمل معه الخلاص للبنان، وهو الموعد الرسمي لتسلم الرئيس الاميركي جو بايدن مقاليد الحكم رسمياً في واشنطن. وبعيداً عن النظريات والتحليلات التي يتم التداول فيها للتأكيد على ان بايدن لن يتسلم السلطة (محاولات اغتيال، مواجهات داخلية بين الاميركيين...) الا ان الاساس في ما خص المشكلة اللبنانية، يبقى ابعد من ذلك، لانه وحتى لو تسلم بايدن السلطة بشكل طبيعي كما هو مقرر، فإن دخوله البيت الابيض لا يعني انتهاء المشاكل في لبنان. هناك ملفات داخلية عديدة تنتزر بايدن لاصلاحها، وهو سيعطيها حتماً الاولوية على غيرها من الملفات لانها اساسية بالنسبة اليه ليتمكن من احداث "صدمة ايجابية" يتوق اليها الشعب الاميركي بعد كل ما شهده من معاناة وخوف وقلق وارتفاع نسبة الانقسام والتعرض للمؤسسات الدستورية في سابقة لم تحصل في تاريخ اميركا.
صحيح ان المؤشرات السياسية التي يطلقها فريق الرئيس الجديد تتمحور كلها حول امكان حصول تطورات ايجابية بين بلاده والعالم اجمع، بما فيه ايران، لكن ذلك لا يعني ان "العصا السحرية" ستفعل فعلها خلال ايام قليلة فقط. وبالنبة الى لبنان، منذ الاذي يتوقع ان يرفع بايدن كل الويلات التي اوقعها سلفه دونالد ترامب، وحل كل المشكلات التي تسبب بها وتفاعلت وتضاعفت بفعل "هشاشة" اللبنانيين انفسهم وتوقهم الى تحدي بعضهم البعض وتحقيق "انتصارات" وهمية يلتهون بها على حساب الناس؟ واذا سلّمنا جدلاً ان الاتفاق النووي سيعاود العمل به، فإنه من المؤكد انه سيكون وفق معطيات جديدة ستدخل فيها اوروبا بشكل اكبر، وهو امر يحتاج بالتالي الى الكثير من المفاوضات والاخذ والرد قبل الوصول الى نتيجة، ولن تكون انعكاساته لمن يتحمس في تلقفها في لبنان، قبل فترة لا بأس بها. لم يكن الرئيس الفرسي ايمانويل ماكرون ساذجاً حين اراد من خلال مبادرته، ضرب "عصفورين بحجر واحد" لجهة تعويم نفسه داخلياً وخارجياً، واثبات قدره على تحقيق الحلاص للبنان بمعزل عن الدول الكبرى الاخرى، ولكن الصفعة التي تلقاها من الخارج واللبنانيين دفعته الى التراجع وترك الامور لحالها واخذ الوقت اللازم لتعود فرصة الخلاص الى لبنان، واعتبر انه اذا كان اللبنانيون انفسهم لا يستعجلون الحل لمشاكلهم المستعصية والخانقة، فلماذا عليه ان يسير عكس التيار؟
كان يفترض باللبنانيين ان يتلقفوا اي مبادرة عل غرار المبادرة الفرنسية، ويتركوا طموحاتهم السياسية ونفوذهم السياسي جانباً لفترة من الوقت، ولكن قلة الثقة التي تسيطر عليهم اضافة الى قلقهم الدائم من فقدان سلطتهم ونفوذهم لحساب منافسيهم، يدفعهم الى اختيار الانتحار البطيء على الخلاص السريع، وهذا واقع وليس مجرد تحليل او رؤية مستقبلية. ان الحبل الوحيد الذي يبقى اللبنانيون معلقون عليه، ويجعلهم "تحت السيطرة" هو انضباط الوضع الامني الى حد ما، ليس بمعنى الجريمة والخلافات الفردية، بل بمعنى شمل واكبر اي منع الفلتان الامني والجريمة المنظمة والارهاب لان من شأن ذلك في حال حصوله لا سمح الله، التفلت من كل ضوابط، حيث يسود منطق "شريعة الغاب" وعندها فقط قد يتم استعجال الحل ولكن الثمن سيكون غالياً جداً، كي نصل الى التسوية المتوقعة والتي لن تغيّر في جوهر الوضع اللبناني العام، ولن تكون بأي شكل من الاشكال منطلقاً لدولة القانون والمؤسسات، بل لتوجه التسويات على قاعدة عدم خسارة احد، لتبقى المشاكل والملفات العالقة تتراكم لعقد من الزمن قبل ان تعود الى الظهور مجدداً بشكل مختلف وتحت ذرائع اخرى ونعود مجدداً الى الحلقة المفرغة التي ندور فيها من جيل الى جيل.