شكّل إصدار رئيس دولة فلسطين محمود عباس مراسيم تحديد مواعيد إجراء الانتخابات العامة: التشريعية، الرئاسية والمجلس الوطني، خطوة هامة لإرساء الديمُقراطية بأشكالها كافة، وفق قانون عصري جديد، ورسالة إلى المُجتمع الدولي من خلال صناديق الاقتراع، على الرغم من الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته وإجراءاته التعسفية، وتأكيداً على إنهاء الانقسام الداخلي.
يأتي إعلان توقيت إجراء الانتخابات بعد 15 عاماً على آخر انتخابات جرت في مثل هذا الأيام من العام 2006، وما تلا ذلك من انقسام ترك تداعياته على الساحة الفلسطينية، استفاد منه الاحتلال الإسرائيلي، فنكث بالاتفاقات والمُعاهدات المُوقعة، وعمل على تغذية ما يزيد الشرخ الداخلي.
وقد حظي إعلان الرئيس "أبو مازن" بإصدار المراسيم الانتخابية الثلاثة، بترحيب فلسطيني وعربي ودولي.
وفي هذا الاطار، استقبل الرئيس عباس، أمس (الأحد)، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، رئيس جهاز المُخابرات العامة المصرية الوزير عباس كامل، ورئيس جهاز المُخابرات العامة الأردنية اللواء أحمد حسني، والوفدين المُرافقين لهما، بحضور رئيس جهاز المُخابرات العامة الفلسطينية اللواء ماجد فرج.
وأطلع الرئيس "أبو مازن" الوفدين على آخر التطورات المُتعلقة بالقضية الفلسطينية، وتحديداً ملف المصالحة الوطنية، وإصدار المرسوم المُتعلق بتحديد موعد الانتخابات العامة.
وشكر الرئيس الفلسطيني الجهود الكبيرة التي بذلتها جمهورية مصر العربية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمملكة الأردنية الهاشمية بقيادة الملك عبدالله الثاني، من أجل إنجاز ملف المُصالحة الوطنية.
كما تم التباحث، خلال اللقاء، في العلاقات الثنائية وسُبُل تطويرها، والتنسيق الدائم، وتطورات الملف السياسي. وطلب نقل تحياته إلى الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
من جهتهما، نقل رئيسا جهازي المخابرات العامة المصرية والأردنية، تحيات الرئيس السيسي والعاهل الأردني إلى الرئيس محمود عباس، ورحبا بإصدار الرئيس المرسوم الرئاسي المتعلق بتحديد موعد الانتخابات العامة، وأكدا دعم بلديهما الثابت والدائم للقضية الفلسطينية.
وستُجرى الانتخابات لاختيار 132 عضواً في المجلس التشريعي يوم السبت في 22 أيار/مايو 2021، ثم الرئاسية يوم السبت في 31 تموز/يوليو 2021.
تعتبر نتائج الانتخابات التشريعية المرحلة الأولى من انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يستكمل تشكيله يوم الثلاثاء في 31 آب/أغسطس 2021، وفقاً لأحكام المادة 5 من النظام الأساس النظام الأساسي لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، بعد التفاهمات الوطنية، بحيث تُجرى حيثما أمكن ذلك.
تكمن أهمية إجراء الاستحقاق الانتخابي الفلسطيني لأنه:
- تتويج لجهود ومساعي وتوجهات الرئيس "أبو مازن"، الذي يُؤكد دائماً التمسك بأهمية إجراء الانتخابات، وقد طلب مراراً من "لجنة الانتخابات المركزية" إنجاز الاستعدادات اللوجستية المطلوبة لتكون بجهوزية في موعد الاستحقاق.
- تأكيد على الخيار الديمُقراطي، بهدف تفعيل المُؤسسات الفلسطينية في إطار مرجعية "مُنظمة التحرير الفلسطينية" المُمثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
- خطوة نحو الانتقال من سلطة الاحتلال إلى الاستقلال الناجز، مع ما يتطلب ذلك من الشروع في حوار وطني يرتكز على آليات التفعيل والتجديد في المُؤسسات والهيئات الفلسطينية.
- يُؤسس لشراكة حقيقية في إطار المشروع الوطني، التي تتضمنها البرامج الانتخابية بالدفاع عن القضية الفلسطينية وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.
- يُساهم في طي صفحة الانقسام وتحقيق المُصالحة.
إن كانت الخطوة الأولى هي بإجراء الانتخابات التشريعية، ثم الرئاسية، واستكمال المجلس الوطني، فإن الانتخابات التشريعية والرئاسية تشمل الضفة الغربية، قطاع غزة والقدس.
وفي هذا الاستحقاق، فإنه يختلف عما سبقه في العامين 2005 و2006 من إجراء الانتخابات في القدس، التي قد يمنع الاحتلال إجرائها، خرقاً البروتوكولات المُتفق عليها، بعد إطباقه على المدينة المُقدسة، وإعلانه القدس المُوحدة عاصمة للدولة اليهودية.
هذا يتطلب تدخلاً من المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي والمُنظمات والهيئات الدولية للضغط على الاحتلال، بهدف تمكين المقدسيين من المُشاركة في العملية الانتخابية والتعبير عن آرائهم.
وفي إطار التهيئة للانتخابات، قام الرئيس عباس بسلسلة من الإجراءات وإزالة الاشتراطات السياسة، والالتزام بالدستور الأساس، وقانون الانتخابات وتعديل المادة المُتعلقة بإلغاء التزامن للانتخابات التشريعية والرئاسية، وجعلهما بالتتالي، وإن كان ذلك في دورة انتخابية واحدة، وذلك تحصيناً من الطعن، على أن يتم تشكيل محكمة قضائية للإشراف على الانتخابات ترشيحاً وإصداراً للنتائج.
وقامت "لجنة الانتخابات المركزية" التي استقبل الرئيس عباس، رئيسها حنا ناصر وسلمه نسخة عن المراسيم المُوقعة، بتحديد مواعيد التسجيل وتحديث القوائم الانتخابية للناخبين والمرشحين، والتي تم فتحها الكترونياً، لتسجل في اليوم الأول 60 ألفاً، ما يُشير إلى توقع أن يكون هناك كثافة التسجيل، هذا قبل أن يتم خلال شهر شباط/فبراير المقبل، فتح حوالى 85 مركزاً للاستفسار والتسجيل، مع مراعاة الإجراءات المُتعلقة بجائحة "كورونا".
بلغ عدد المُسجلين للانتخابات حتى الآن حوالى 2.200 مليون ناخب، ويتوقع أن يصل الرقم إلى حوالى 2.450 مليون ناخب.
إلى ذلك، ستجتمع الفصائل الفلسطينية مع لجنة الانتخابات بداية شهر شباط المُقبل في العاصمة المصرية، القاهرة، التي رحبت بعقد اللقاء، من أجل حل الأمور التقنية والتوافق على الصيغة النهائية.
وتتولى "لجنة الانتخابات" الإجراءات الفنية واللوجستية، بما في ذلك مراكز الاقتراع التي سيتم تحديدها مع مراعاة الإجراءات المُتعلقة بمُواجهة فيروس "كورونا".
هذا، علماً بأن الفصائل وقعت قبل حوالى عام بالمُوافقة على إجراء الانتخابات في القدس، لكن لم تصدر مراسيم، ولم يأتِ الرد الإسرائيلي.
وستبقى الحكومة التي يترأسها الدكتور محمد اشتيه إلى حين قسم المجلس التشريعي وذلك وفقاً للمادة 83.
وتحظى الانتخابات بدلالات هامة في توقيتها ورسائلها وتُعتبر خطوة على طريق تحصين البيت الداخلي الفلسطيني، ضمن إستراتجية وطنية واحدة ومُوحدة، سلطة ومُؤسسات ونظام سياسي، يلتزم به الجميع تحت سقف "مُنظمة التحرير الفلسطينية".