بعد الإطلالة الأخيرة لرئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، فُتح سجال في البلد لم تكتمل عناصره بشكل كامل، حول المقصود بدعوته إلى حوار وطني، الأمر الذي ذهب البعض إلى الحديث عن أنها دعوة إلى مؤتمر تأسيسي جديد بشكل أو بآخر، مع ما يعنيه ذلك من إستنفار لبعض القوى والشخصيات التي لا ترى نفسها خارج إطار إتفاق الطائف.
العودة في المشهد السياسي المحلي إلى الوراء، تؤكد أنه عند هذه النقطة تكمن المشكلة والحل لكل ما يحصل، خصوصاً أن ركائز الطائف سقطت على مدى السنوات الماضية، تحديداً منذ العام 2005، وهو ما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول من لمح إليه في وقت سابق.
في هذا السياق، تذكر مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، بحديث ماكرون في بيروت عن ميثاق جديد، حيث تلفت إلى أن الرؤية الفرنسية، لمرحلة ما بعد تشكيل الحكومة، تشمل الذهاب إلى حوار ينتج إتفاقًا يعيد وضع أطر لنظام جديد، الأمر الذي يتناغم مع ما طرحه باسيل بشكل أو بآخر، يعيد للدولة هيكلتها بعيداً عن الشخصانية والطائفية، ولا يكون مفصلاً على قياس الحرس القديم في الدولة، الذي يعود إلى أيام الحرب اللبنانية وميليشياتها التي تسيطر على كل مفصل من مفاصل الجمهوريّة.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الواقع لا يعجب رئيس الحكومة المكلف، بالإضافة إلى العديد من القوى والشخصيات التي ترى نفسها مستفيدة من النظام الحالي، الأمر الذي دفعه إلى محاولة اللعب على التباينات الإقليمية والدولية من خلال الزيارات الخارجية التي يقوم بها، خصوصاً بالنسبة لزيارته إلى أنقرة ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تشدد على أن ما يُحكى عن دور له في رأب الصدع القائم بين فرنسا وتركيا غير صحيح، إضافة لما حكي عن دور يلعب لإصلاح العلاقة بين أنقرة ودوال الخليج هي أيضاً أخبار غير صحيحة، بالتزامن مع مساعيه إلى إبعاد "التيار الوطني الحر" ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن الحكومة العتيدة، أو على الأقل تحجيم حضورهما.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، الحريري أراد، من خلال زيارته تركيا، توجيه رسالة إلى الفرنسيين بشكل أساسي (على الرغم من أنها غلطة ضخمة من ضمن سلسلة أخطائه المتعاقبة) وممارسة لعبة الضغط من خلال الداخل اللبناني، في ظل العلاقة المتوترة بين أنقرة وباريس، على خلفية التدخلات التركية بالشرق الأوسط وأفريقيا وأذربيجان، والمشاكل القائمة بين الأتراك ودول الإتحاد الأوروبي، في ظل محاولات الإبتزاز، التي يقوم بها أردوغان، التي تمس الأمن الأوروبي، من دون تجاهل تهديده المصالح الأوروبية بالبحر المتوسط، في ما يتعلق بالثروة النفطية في قبرص، وتذكر بأن أردوغان لم يكن سعيداً بالدور الفرنسي المستجد في لبنان، الذي انطلق بشكل قوي بعد الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت.
بالتزامن، لدى المصادر السياسية المطلعة الكثير من المعطيات التي تؤكّد بأن رئيس الحكومة المكلف لم يعد الشخصية التي تحظى بثقة المجتمع الدولي، على عكس ما يحاول الإيحاء به، نظراً إلى أنه كان شريكاً في أغلب الحكومات المتعاقبة، منذ العام 2005 حتى اليوم، كما أنه فشل في التعاطي مع كل التحذيرات الأوروبية التي سبقت استقالته من الحكومة في أعقاب مظاهرات 17 تشرين الأول من العام 2019، ولم يقم بالإصلاحات التي نُصح بها من قبل الإتحاد الأوروبي وغيره من الجهات الفاعلة، وبالتالي بات يُنظر إليه على أساس أنه غير مؤهل لقيادة الأزمة الحالية إلى بر الأمان.
في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى أن الحريري لا يزال يلعب في الوقت الضائع، إلا أنها تشدد على أنه لا يستطيع أن يقف عقبة في وجه الحلّ السياسي عندما يحين موعده دولياً، حيث سيكون هو شخصياً من اوائل ضحاياه في حال لم يسارع إلى ركوب القطار، وبالتالي اذا قرر الإستمرار في إفشال المهمة الأساسية للمبادرة الفرنسية، بهدف الحفاظ على كوكبة الحرس القديم الحالي، وتدعو إلى مراقبة التطورات في الفترة المقبلة، في ظل التوجه الأميركي نحو تفويض الفرنسيين بالملف اللبناني في ولاية الرئيس المنتخب جو بايدن.