في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار، يوم غد الأربعاء، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، لمواكبة حفل تنصيب الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن، في ظل المخاوف القائمة من حصول أعمال عنف في الولايات المتحدة من قبل أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، نظراً إلى الهجوم الذي حصل على مبنى الكونغرس خلال عملية التصديق على نتائج الإنتخابات، فإن مرحلة جديدة من الصراع الحكومي في لبنان من المفترض أن تنطلق في الوقت عينه.
مصدر هذا الربط بين الحدثين، يعود بالدرجة الأولى إلى أنّ العديد من الأفرقاء المحليين عمدوا، طوال الفترة الماضية، إلى الربط بينهما، فمنهم من كان يتهم "حزب الله" بأنّه لا يريد تشكيل حكومة قبل الإنتخابات الأميركية، على قاعدة ربط الملف اللبناني بملف المفاوضات الأميركية-الإيرانية، ومنهم من كان يتحدث عن أنّ رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري لا يستطيع المبادرة في ظل ولاية ترامب، نظراً إلى تلقّيه تهديدات بوضعه على قائمة العقوبات في حال تأليفه حكومة تضم ممثلين عن "حزب الله"، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
السيناريوهان كانا مرفوضين من قبل كل من الحريري والحزب، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ"النشرة"، فالثاني كان ينفي وجود أي ربط بين أي ملف إقليمي والعلاقات الأميركية-الإيرانية، نظراً إلى أن طهران لم ولن تتولى التفاوض عن شعوب المنطقة، ويدعو الأفرقاء المعنيين إلى تكثيف المفاوضات لتشكيل الحكومة، بينما الأول كان يشدد على أن ما ينقل عن تهديدات تعرض لها لا يمتّ إلى الواقع بصلة، ويحصر الأزمة بإتّهامات يوجّهها إلى كل من رئيسي الجمهورية ميشال عون و"التيار الوطني الحر" جبران باسيل.
بالنسبة إلى هذه المصادر، الإنتهاء من الإستحقاق الأميركي من المفترض أن يقطع الشك باليقين، لكنها تجزم منذ اليوم أن المشكلة في مكان آخر يبتعد كلياً عن واشنطن، نظراً إلى أن حجم التوترات المحلية، التي تتزامن مع واقع صعب في لبنان على مختلف المستويات المالية والإقتصادية والإجتماعية، يجعل من المستحيل الوصول إلى إتفاق على تشكيل أي حكومة، وهو ما كان يحصل، في السنوات الماضية، عند أي إستحقاق من هذا النوع.
من وجهة نظر المصادر نفسها، الأزمة الحقيقية تتخطى ما يُحكى في بعض الأوساط عن خلافات شخصية بين كل من عون وباسيل والحريري، حيث تشير إلى أنها تكمن في النظرة التي لدى مختلف الأفرقاء لمستقبل البلاد، لا سيما بالنسبة إلى المواعيد التي قد تكون مصيريّة في العام المقبل، وتذكّر بأن العام 2022 سيشهد 3 إستحقاقات إنتخابية هي: الإنتخابات البلدية والإختيارية، الإنتخابات النيابيةوالإنتخابات الرئاسية.
في هذا الإطار، تلفت المصادر السياسية المطلعة إلى أن الواقع الراهن في البلاد يفرض أن تكون هذه الإستحقاقات مصيرية، بالنسبة إلى معظم القوى المحلية، بسبب التحديات التي أفرزها الحراك الشعبي الذي انطلق في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، خصوصاً على مستوى ظهور تجمعات سياسية جديدة، حتى ولو لم تتبلور بشكل واضح، تريد أن تنافس تلك القوى، وتعطي مثالاً على ذلك ما حصل في بعض الإستحقاقات النقابية والطلابية.
بالتزامن، توضح هذه المصادر إلى أن القوى التقليديّة خسرت أحد أبرز الأوراق التي كانت تستخدمها في السنوات الماضية، أيّ الزبائنيّة السّياسية، حيث كان المثال الأوضح على ذلك ما حصل قبل الإنتخابات الماضية في العام 2018، لناحية إقرار سلسلة الرتب والرواتب، دون الأخذ بعين الإعتبار التداعيات، بالإضافة إلى عملياّت التوظيف غير القانوني.
في المحصلة، تجزم المصادر نفسها بأنه بعد "البقرة الحلوب"، أيّ الخزينة العامة، نتيجة حالة الإفلاس التي تمر بها البلاد، سيلجأالأفرقاء السياسيين إلى الورقة الثانية، أي تعزيز الصراعات الطائفيّة والمذهبيّة، وتدعو، في المرحلة الراهنة، إلى قراءة المشهد الحكومي من هذا المنظار الأوسع، حيث تظهر حالة العجز أمام تراكم التحدّيات التي ليس من السهل معالجتها.