كثيرة هي التحليلات التي تناولت وتتناول السياسة الأميركية المُنتظرة، مع تسلّم الرئيس المُنتخب جوزيف بايدن السُلطة في واشنطن، خلفًا للرئيس السابق المُثير للجدل دونالد ترامب، في ظلّ ترقّب في لبنان والشرق الأوسط ككل بالنسبة إلى ما ستُطبّقه الإدارة الأميركيّة الجديدة من سياسات. فماذا سيتغيّر في لبنان والمنطقة؟.
بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه على الرغم من أنّ السياسة الخارجيّة لم تكن جزءًا رئيسًا من الحملة الإنتخابيّة الرئاسيّة الأميركيّة، إلا أنّ الرئيس المُنتخب جوبايدن وعد بإعادة بناء السياسة الخارجية للولايات المتحدة في العالم، في ظلّ إهتمامات مُتباينة بالنسبة إلى الملّفات الدَوليّة. وما يهمّنا بطبيعة الحال هو ملفّات منطقة الشرق الأوسط ككل، ومنها لبنان بطبيعة الحال.
بالنسبة إلى ملفّ العلاقة الأميركيّة مع إيران، فهو الملفّ الأبرز الذي سينال الإهتمام في المُستقبل القريب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرغببايدن بإعادة إحياء "الإتفاق النووي" الذي كانترامب قد تنصّل منه، مُطالبًا بأن تلتزمطهران بكامل بنود الإتفاق السابق. وتُصرّ إيران في المُقابل على أن تكون العودة إلى الإتفاقبدون أيّ شروط جديدة من جانب أميركا، وهي عمدت في المرحلة الأخيرة إلى رفع نسب التخصيب، تمهيدًا لإمكان تقديمها كتنازل من جانبها على طاولة المُفاوضات في المُستقبل. لكنّ العودة إلى بُنود الإتفاق الذي كان قد جرى توقيعه في العام 2015 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، من دون ضمّ مسألة الصواريخ الباليستية الإيرانية، وتلك المُوزّعة على جماعات مُسلّحة ومُمولّة من قبل طهران(1)، كما يُطالب أكثر من طرف في المحور المُناهض لإيران، سيُؤدّي إلى زعزعة علاقات الولايات المتحدة الأميركيّة مع أكثر من طرف إقليمي. وبحسب التوقّعات إنّ المُفاوضات بين واشنطن وطهران ستُعاود عند تبلور كامل الملفّات أمام الإدارة الأميركيّة، وبعد تقييم الإيجابيّات والسلبيّات التي ستنتج عن كل خطوة.
بالنسبة إلى ملفّ العلاقة مع الدول الخليجيّة، ليس بسرّ أنّه مع تطوّر عمليّات إستخراج ما يُعرف بإسم النفط الصخري في الولايات المُتحدة الأميركيّة نحو الإكتفاء الذاتي، لم تعد منطقة الشرق الأوسط تُمثّل أهمّية إستراتيجيّة على مُستوى إمدادات النفط، وباتت مُرتبطة أكثر بالنُفوذ الدَولي، وبصراع السيطرة على العالم مع روسيا والحفاظ على القواعد العسكريّة الأميركيّة في الشرق الأوسط، إضافة طبعًا إلى تأمين الحماية للحليف الإستراتيجي لأميركا في المنطقة والمُتمثّل بإسرائيل، وكذلك بعقد صفقات الأسلحة مع الدول الخليجيّة، إلخ. وعلى الرغم من توقّع أن يتعامل الرئيس بايدن بحزم أكبر مع السُعوديّة وغيرها من الدول العربيّة، وأن تضغط الإدارة الأميركيّة بقُوّة أكبر لوقف الحرب في اليمن، فإنّ من شأن تصنيف جماعة "أنصار الله" المَعروفة بإسم "الحوثيّين"، منظّمة إرهابيّةمن قبل إدارة ترامب قبل رحيلها، أن يُعيق الجهود الدبلوماسيّة لإنهاء الحرب وللتوصّل إلى تسوية قريبة.
بالنسبة إلى ملفّ العلاقة الأميركيّة مع إسرائيل، فإنّ بايدن هو مع حلّ الدولتين، لكنّ الإهتمام بالقضيّة الفلسطينيّة لم يعد أولويّة لأحد في المنطقة، علمًا أنّ الفلسطينيّين أنفسهم لن يقبلوا أيّوساطة من أميركا قبل تراجع واشنطن عن الخطوة الإستفزازيّة التي قام بها ترامب، لجهة نقل السفارة الأميركيّة إلى القدس كأمر واقع. كما أنّه لا يُمكن التنكّر لإرتداداتالإنتصار الدبلوماسي لإدارة ترامب الذي نجح في نهاية عهده بتأمين الغطاء لإقامة علاقات رسميّة بين إسرائيل والعديد من الدول العربيّة. وبالتالي، قد يكون أقصى ما سيفعله بايدن في الملف الفلسطيني هو عبارة عن إجراءات شكليّة، على غرار تجديد المُساعدة الأميركيّة للفلسطينيّين، وإعادة فتح مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن، إلخ.
بالنسبة إلى ملفّ العلاقة مع سوريا،فهو ليس على سُلّم أولويّات الإدارة الأميركيّة، لكنّه يدخل في سياق صراع النفوذ الأميركي–الروسي في كامل منطقة الشرق الأوسط، وفي سياق ملف التفاوض المُنتظر مع إيران، وكذلك في سياق التشديد المُرتقب لسياسة الإدارة الأميركيّة الجديدة مع النظام التركي. ومن المُنتظر أن تُساوم هذه الإدارة، التي تحتفظ بوجود عسكري محدود في سوريا، على الملف السُوري مع كلّ من روسيا وإيران وتركيا، علمًا أنّ الإنتخابات الرئاسيّة السوريّة يُفترض أن تجري ما بين 16 نيسان و16 أيّار المُقبلين، ما يستوجب سرعة بالتحرّك إذا كانت واشنطن راغبة بالتوصّل إلى تسوية تحفظ نُفوذها، وإلا سيكون دورها ثانويًا كما كان خلال عهد ترامب. وعندها، سيبقى ملف إعادة إعمار سوريا مُعلّقًا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ملف ملايين النازحين السوريّين إلى دول الجوار، ومنها لبنان. من جهة أخرى، من المُرجّح أن تتشدّد الإدارة الأميركيّة الجديدة أكثر مع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان(2).
بالنسبة إلى ملفّ العلاقة مع لبنان، فهو غير موضوع على أجندة الإدارة الأميركيّة، لكنه سيتأثّر بكل السياسات التي ستنتهجها واشنطن إزاء الملفّ الإيراني بالدرجة الأولى، ومن ثم إزاء الملف الإسرائيلي بالدرجة الثانية، ومن بعدهما إزاء الملفات العربيّة وكذلك إزاء الملفين السُوري والتركي. وبالتالي، لن نشهد تغييرًا يُذكر في السياسة الأميركيّة تجاه لبنان، قبل وُضوح الصُورة الإقليميّة على مُستوى كامل منطقة الشرق الأوسط، لأنّ لبنان هو حاليًا في موقع المُتلقّي لإرتدادات هذه السياسات ليس أكثر!.
في الختام، من الضروري التذكير أنّ جو بايدن كان نائبًا للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وهو يُمثّل بالتاليإمتدادًا لسياسة هذا الأخير على مُستوى الكثير من الملفّات الدوليّة. لكنّ التطوّرات التي حصلت خلال السنوات القليلة الماضية تستوجب تعديلات حتميّة على هذه السياسة، والعقبات التي وضعها الرئيس ترامبفي مُختلف الملفّات، ستتسبّب بالكثير من المشاكل للإدارة الجديدة، وستكبّل قدراتها على العودة إلى سياساتها السابقة خلال فترة زمنيّة قصيرة.
(1) يقود ملفّ صواريخ إيران إلى تفرّعات عدّة، وتحديدًا إلى ملف الصواريخ المملوكة من قبل "حزب الله" والتي تُهدّد العمق الإسرائيلي، وإلى ملف الصواريخ والطائرات المُسيّرة المَملوكة من قبل جماعة "أنصار الله" التي تُهدّد أمن المملكة العربيّة السعوديّة ودولا خليجيّة أخرى.
(2) أن تضغط أكثر لتخفيف التدخّل التركي في كلّ من سوريا وليبيا، وأن تقف أميركا إلى جانب اليونان وقبرص بمواجهة الإستفزازات التركيّة، وأن تواصل الحملات على قرار أنقره شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي "أس 400".