بعد ربط معظم القوى المحلية ملف تشكيل الحكومة بالتطورات الإقليمية والدولية، لا سيما تلك المتعلقة بالإنتخابات الرئاسية الأميركية، بات من الضروري البحث في إمكانية تجاوز تلك التطورات مع تسلم إدارة الرئيس جو بايدن السلطة، نظراً إلى أن البعض كان ينتظر الإنتهاء من هذه المرحلة لإعادة تحريك هذا الملف، الذي دخلت عليه العديد من التعقيدات المحلية، لا سيما بعد التوتر الذي طغى على العلاقة بين كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
إنطلاقاً من ذلك، تربط معظم الجهات، التي من الممكن أن تلعب دوراً في تقريب وجهات النظر، تحركها بإنتهاء حفل تنصيب بايدن، حيث بدأ الحديث عن إمكانية تحريك الملف الحكومي في نهاية الاسبوع الحالي، بالرغم من الصعوبات التي تعتريه، إلا أن لدى مصادر سياسية متابعة وجهة نظر مختلفة، إنطلاقاً من الخيارات التي لدى الرئيس الأميركي الجديد في ما يتعلق بالملفات الإقليمية.
من وجهة نظر هذه المصادر، العقد الخارجية لن تنتهي بمجرد تسلم إدارة بايدن السلطة، على الرغم من الرهانات بأن يكون تعاملها مع ملفات المنطقة أكثر ليونة من تعامل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لا سيما على مستوى العلاقات الأميركية-الإيرانية، بعد أن كان الأخير قد أعلن إنسحابه من الإتفاق النووي، بينما الثاني لديه رغبة في إعادة التفاوض مع طهران من جديد.
عند هذه النقطة، تشير المصادر نفسها، عبر "النشرة"، إلى أن العودة إلى الإتفاق لن تكون بالأمر السهل، خصوصاً أن ترامب سعى، طوال الفترة الماضية، إلى وضع الكثير من العراقيل أمام بايدن، الأمر الذي يفتح الباب أمام تفاوض أوسع قد يحتاج إلى وقت طويل، بدليل كلام وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، قبل أيام، عن أن العودة للاتفاق لن تكون كافية، إذ يجب مناقشة الصواريخ الباليستيّة وأنشطة إيران المزعزعة لأمن المنطقة.
بالتزامن، تلفت هذه المصادر إلى أنّ الدول الإقليميّة الفاعلة، لا سيما الخليجيّة منها، لن تقبل بأن تبقى بعيدة عن أيّ مفاوضات جديدة على هذا الصعيد، خصوصاً بعد أن باتت تتسلح بالتحالف الجديد مع إسرائيل، حيث يتشارك الجانبان النظرة إلى الدور الإيراني في المنطقة، في حين أن الإدارة الأميركية الجديدة لا يمكن لها أن تتجاهل هذا الأمر، مع العلم أنها سارعت إلى إبلاغ حلفائها برغبتها في إعادة قنوات التفاوض مع طهران.
في هذا الإطار، توضح المصادر السياسية المتابعة أن الإدارة الأميركية الجديدة أمام خيارين يتم التداول بهما على نطاق واسع: الأول يقوم على ربط أي تفاوض جديد مع إيران حول الملف النووي بآخر يتعلق بالصواريخ الباليستية ودورها في المنطقة، أما الثاني فيقوم على العودة السريعة إلى الإتفاق النووي على أن تنطلق بعد ذلك مفاوضات جديدة حول باقي الملفّات.
وفي حين تلفت هذه المصادر إلى أنّ إدارة بايدن تفضّل الخيار الثاني، خصوصاً أن سياسة الضغوط، التي قامت بها الإدارة السابقة، لم تجدِ نفعاً، بينما الإستمرار بها قد يكون له تداعيات سلبيّة على الإنتخابات الرئاسيّة الإيرانيّة المقرّرة في شهر حزيران المقبل، الأمر الذي يعزز فرص التيار المحافظ، تشدّد على أن الأمر لن يكون بالسهولة التي يتصورها البعض في لبنان.
ما تقدم يقود، بحسب المصادر نفسها، إلى معادلة واضحة، مفادها أن الملف اللبناني ليس أولوية لدى معظم القوى الخارجية الفاعلة على الساحة المحليّة، وبالتالي أيّ رهان من جانب القوى السياسية لن يقدّم أو يؤخّر على هذا الصعيد، ما يعني أن الذهاب إلى أيّ معالجة تطلب نوعاً جديداً من التعاطي يختلف عن الماضي، يقوم بشكل أساسي على القفز فوق المعطيات الخارجية بشكل أو بآخر، خصوصاً أن الوقائع الداخليّة لم تعد تحتمل أي تأخير.
في المحصّلة، الحلّ الوحيد لمعالجة الملفّ الحكومي يكمن بالداخل اللبناني فقط، بالرغم من التأثيرات الخارجيّة المعروفة حيث أنّ لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطها، إلا أنّ هذا الأمر يتطلب تحركاً كبيراً من قبل المعنيين، نظراً إلى أن أيّ تحولات إقليميّة أو دوليّة، في حال حصولها، لن تكون في وقت قريب.