لطالما تصارعت القوى السياسية على "الصلاحيّات"، وتمّ استخدام هذه النقطة لخوض المعارك، ورُسمت الخطوط الحمراء تحت "صلاحيات" كل موقع سياسي، فهذه المسألة ترتبط بوجود الطوائف وقوّتها وتأثيرها، لذلك فلا مجال للتهاون من قبل أيّ شخصية، فالإتّهام بالتفريط بحقوق الطائفة سيكون بانتظاره.
منذ فترة اتُهم رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب بالتفريط بصلاحيات موقع رئاسة الحكومة، وتسليم مقاليد الحكم إلى رئيس الجمهورية ميشال عون وحده، وتُشير مصادر سياسية مؤيّدة لهذا الإتّهام إلى أنّ دياب لم يكتف بمنح فريق رئاسة الجمهورية السيطرة على الحكومة، بل تخلّى عن بعض صلاحيّاته لهذا الفريق، مشدّدة على أنّ هذا التخلي ينبع من كون دياب كان عديم الخبرة، الأمر الذي سمح للآخرين أن يصادروا صلاحياته.
وتضيف المصادر عبر "النشرة": "في أكثر من مناسبة ظهر رئيس الجمهورية كمسيطر على السلطة التنفيذيّة، ليس آخرها قراره مخاطبة البرلمان بإسم الحكومة، ونقل ملفّات يُفترض أن تكون تحت رعاية الحكومة إلى المجلس النيابي، أو إلى المجلس الأعلى للدفاع، كما كان يحصل في مسألة الإقفال العام والإجراءات الواجب اتّخاذها لمواجهة "كورونا".
اعتاد اللبنانيون منذ فترة على انتظار اجتماع المجلس الأعلى للدفاع لاتّخاذ القرار بالإقفال العام من عدمه، وما كان يجري هو أن اللجنة العلمية المختصة في ملف الكورونا كانت ترفع توصيتها إلى المجلس الأعلى للدفاع لدراستها وإقرار المناسب، وهذا الأمر بحسب المصادر أثار حفيظة كثيرين في لبنان، لأنّ هذه المهمة تقع على عاتق السلطة التنفيذيّة، مشيرة إلى أن رئيس الجمهورية سمح للمجلس الاعلى للدفاع بأن يُصدر قرارات تنفيذيّة، بما يعني أنه تحوّل إلى شبه "حكومة مصغّرة"، تحكم البلد.
تذكّر المصادر بأنّ بعض قرارات المجلس حملت تجاوزات لصلاحيّات المجلس الأعلى للدفاع، خاصة بما يتعلّق "بتكليف" وزراء القيام بخطوات معيّنة، مشيرة إلى أنّ هذه الأمور تتعارض مع الدستور، وما كان يجب أن تمرّ مرور الكرام، لأنّ ضرب الدستور يبيح كل المحظورات.
وترى المصادر أنّ فريق رئيس الجمهورية وجد بالمجلس الأعلى للدفاع هيئة مناسبة كبديل عن حكومة تصريف الأعمال، وهذا ما دفع برئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري للتحرّك باتّجاه دياب، كرئيس للحكومة، والوقوف إلى جانبه دفاعاً عن هذا الموقع. وتضيف: "بعد حصوله على أكثر من نصيحة، عاد دياب إلى ممارسة صلاحيّاته وأصدرت رئاسة مجلس الوزراء قراراً بتمديد "الإقفال العام" حتى تاريخ 8 شباط، ورفعت قرارها إلى المجلس الأعلى للدفاع للإطلاع عليه والقيام بالمقتضى".
يستند إنشاء المجلس الأعلى للدفاع وتحديد مهمامه وصلاحياته إلى الفصل الثاني (التنظيم العام للدفاع الوطني) من قانون الدفاع الوطني رقم 102 تاريخ 16/9/1983، ويتألف من رئيس الجمهورية رئيساً، رئيس الوزراء نائباً للرئيس، وكل من وزير الدفاع، الخارجية، المالية، الداخلية، والاقتصاد، أعضاءً، فضلا ًعن تولّي بعض العسكريين لمهام وصلاحيات إدارية به. أما بالنسبة إلى صلاحياته فهي محدّدة بشكل واضح، فالمجلس يقرّر الإجراءات اللازمة لتنفيذ السياسة الدفاعيّة كما حدّدها مجلس الوزراء، ويولي المجلس أهميّة خاصة للتعبئة الدفاعيّة التي تتناول القضايا الاساسيّة التالية: الخدمة العسكرية والتجنيد الاجباري، التعبئة التربوية، تعبئة النشاط الاقتصادي بفروعه الزراعيّة والصناعيّة والماليّة والتجاريّة، تعبئة النشاط الصحي والطبي، تعبئة عامة للدولة والمواطنين وخاصة الدفاع المدني، وتعبئة نشاطات الارشادات والتوعية، كما يوزع المجلس الاعلى للدفاع المهام الدفاعية على الوزارات والاجهزة المعنية ويعطي التوجيهات والتعليمات اللازمة بشأنها ويتابع تنفيذها ويقر خطة العديد والتجهيز الموضوعة لهذه المهام.
لن تنتهي معارك الصلاحيات قريباً، ولكن ما يعني اللبناني اليوم، ليس صلاحيات المراكز الطائفيّة، بل البقاء على قيد الحياة.