صفحة عهد الرئيس الأميركيدونالد ترامب مع تسلم الرئيس جو بايدنالسلطة رسمياً في البيت الأبيض.. وهلسيتلاشى ويخبو مجدّداً واقع الانقساموالتصدع والتطرف السياسي والعرقيوالعنصرية المستفحلة لدى الغالبية منالأثرياء البيض العنصريين، الذين تمثلهمظاهرة ترامب إيما تمثيل… وستتمكن إدارةبايدن من ترميم وتعويم دور أميركاالقيادي المهيمن على الصعيد الدولي؟
انه سؤال الساعة في أميركا والتحديالكبير الذي طغى على خطاب بايدن وسادأجواء حفل تنصيبه.
المسألة مرتبطة بالقدرة على تحقيق هذاالطموح الذي عبّر عنه بايدن لاستعادةالوحدة المتصدعة ووضع حدّ للانقسام..وهو الهاجس الذي عبّرت عنه الشابةالأميركية من الأفارقة السود التي تحدثتفي حفل التنصيب لتعبّر عما يشغل الشبابالذين ساهموا في انتخاب بايدن وباتواجزءاً من تكوينات الحزب الديمقراطي…
فهل تملك إدارة بايدن القدرة على استعادةالوحدة وطي صفحة الانقسام وبالتالياستعادة مكانة أميركا في العالمكأمبراطورية قوية قادرة على فرضسلطانها وهيمنتها في الداخل والخارجعلى حدّ سواء.. فيهابها العالم ويرضخلمشيئتها؟
أم أنّ هذه القدرة لم تعد متوافرة فيالداخل والخارج، وعناصر القوة التي تمكّنبايدن من النجاح ضعفت وتقلصت… ولهذاهناك فرق بين القدرة والرغبة.
فما هي حال عناصر قوة الإمبراطوريةالأميركية، هل لا زالت على حالها من القوةالتي وفرت الازدهار والتطور والاستقرارلها؟
أولاً، تعتبر الغالبية من البيض الأثرياء أنهمهم أسياد أميركا وانّ الحلم الأميركي هوحلمهم وحدهم، وانّ أميركا وجدت لهم وأنّالآخرين إنما هم دخلاء أو عبيد عملوا فيخدمتهم ويجب أن يبقوا كذلك، لا سيمابعد أن قلت الثروة وتفشت الأزماتالاقتصادية والمالية وانتهى معها زمنالبحبوحة المادية والرفاه والازدهارالاقتصادي، الذي كان يتيح إعطاء وتوزيعبعض الفتات على بقية السكان الأفارقةوالملوّنين من غير البيض، ويوفر نوعاً منمظاهر الوحدة المزعومة لما يسمّى أمةأميركية قامت على الفتك بسكان أميركاالأصليين من الهنود الحمر، واحتلالواستيطان أراضيهم الخصبة وطردهممنها، من قبل المستوطنين البيض الأثرياءالذين جاؤوا من أوروبا إلى أميركا سعياوراء الثروة، وخصوصاً من بريطانيا، وهوما يشبه تماماً ما فعله المستوطنونالصهاينة في فلسطين برعاية المستعمرالبريطاني نفسه، تشابه يفسر لنا بوضوحالسبب الذي جعل ترامب، وبدعم منالمحافظين الجدد وجماعات الضغط منالانجيليين البيض وغيرهم، الذهاب بعيداًفي دعم الكيان العنصري الاستيطانيومساعدته على سلب العرب في فلسطينحقوقهم في أرضهم ووطنهم…
ثانياً، يبدو من الواضح أنّ عناصر القوة،التي مكّنت أميركا من أن تصبح أقوى دولةفي العالم وتزدهر وتحقق التطور والتقدم،وتصل إلى أعلى مستوى نمو ودخل بينالدول، يبدو أنها لم تعد كذلك، فالقوةالأميركية أصيبت بالضعف في مواقعهاالمختلفة، بل أنّ أهمّ عنصر فيها، والذييغذي باقي عناصرها، وهو القوةالاقتصادية، تراجع كثيراً عما كان عليه..فأميركا كانت تستمدّ قوتها وقدرتها علىتحقيق الاستقرار في الدخل، وسيطرتهاوهيمنتها في الخارج، من أنها تملك أكبروأقوى اقتصاد، وأعلى معدلات نمو،وبالتالي أعلى مستوى دخل للفرد فيالعالم، حتى أنّ حصتها من الناتج العالميتجاوزت، بعد الحرب العالمية الثانية،الخمسين بالمئة، ولهذا تمكنتالإمبراطورية الأميركية من تحقيق:
1 ـ التربع على عرش الاقتصاد العالميوالاستحواذ على المعرفة والتقنيةوالاختراعات العلمية وصناعة السينماومشاهير هوليود، حتى بات شعار الحلمالأميركي يدغدغ العالم ويدفع الشباب، فيالكثير من الدول لا سيما في العالم الثالث،الى البحث عن تحقيق أحلامهم في أميركا.
2 ـ الهيمنة والسيطرة على الأسواقالعالمية حيث السلع الأميركية الاستهلاكيةوالسيارات والتقنيات هي الأكثر رواجاًوكذلك الإقبال على شرائها.
3 ـ بالاستناد إلى هذه القوة الاقتصاديةبنت أميركا قوّتها العسكرية، وخصّصتالأموال الطائلة لصناعة السلاح المتطور،وشنّ الحروب التوسعية في الخارجوإخضاع الدول وتغيير أنظمة، مما مكنهامن السيطرة على ثروات هذه الدول مننفط وغاز ومعادن ثمينة، وتسخيرهالخدمتها في تحقيق الثراء والاستقرار فيالداخل، ومواصلة فرض هيمنتها علىالعالم والتي نجحت في جعلها هيمنةأحادية بعد انهيار وتفكك الاتحادالسوفياتي…
لكن عناصر القوة هذه لم تعد كما كانتعليه من القوة للأسباب التالية:
السبب الأول، انّ أميركا فقدت أو علىشفير فقدان مركزها الأول كأكبر قوةاقتصادية، بعد تقدّم الصين ونجاحها فيأن تصبح أقوى وأكبر اقتصاد في العالمينمو ويتطوّر على المستويات كافة، بمافيها براءات الاختراع، حتى في زمنكورونا، الذي شلّ الاقتصاد الأميركيوالعالمي.. أظهر انّ إنتاج اللقاحات الطبيةلم يعد حكراً على أميركا والغرب.
السبب الثاني، اشتداد المنافسةالاقتصادية الدولية للاقتصاد الأميركي، منقبل دول عديدة ناشئة اقتصادياً، وليسفقط الصين، الأمر الذي قلّص حصة أميركامن الناتج العالمي إلى ما دون الـ 20بالمئة.. ما أدّى إلى تنامي العجز الأميركيفي الميزان التجاري والموازنة العامة،وارتفاع حجم الدين، وازدياد نسبة البطالةوالفقر، وإعداد الذين يصطفون في طوابيرللحصول على الإعانات الاجتماعية.
السبب الثالث، فشل حروب أميركا وتراجعتوسعها الاستعماري وبالتالي تقلص عملياتنهبها لثروات الشعوب، وهذا أدى، من جهة،الى خسائر مادية كبيرة نتجت عن تكاليفالحروب الباهظة في أفغانستان والعراق،والتي تسبّبت في مفاقمة الأزماتالاقتصادية والمالية، ومن جهة ثانية،تراجع في عائدات أميركا التي كانتتحققها من خلال سيطرتها على ثرواتدول غنية، نجحت في التحرر من سيطرتها،مثل فنزويلا وبوليفيا، وقبل ذلك إيرانإلخ…
هذا التراجع الملحوظ في عناصر قوةالتفوق والهيمنة الأميركية، قابله صعودوحضور ملموس في قوة قوى كبرى دولياًمثل الصين وروسيا، وإقليمياً مثل إيران،ووقوفها إلى جانب قوى المقاومة والتحررفي مواجهة الهيمنة الأميركية وكسرشوكتها وهيبتها، ان كان من خلال فرضموازين قوى جديدة في الميدان الصراعالعسكري في ساحات الصراع الرئيسية،مثل سورية والعراق وفنزويلا إلخ… أو عبرإسقاط مشاريع قراراتها في مجلس الأمنوجعلها في حالة من العزلة مستفيدة إلىتنامي الاعتراض الأوروبي على خروجأميركا على الاتفاقيات الدولية، مثلالاتفاق النووي مع إيران واتفاقية المناخ،وانسحابها من منظمة الصحة العالميةووقف دعمها لوكالة الأونروا إلخ…
لقد أدى ذلك إلى تكريس انتهاء مرحلة الهيمنة الأحادية الأميركية، وإضعاف الدور القيادي الأميركي على الصعيد العالمي… وهو ما تعزز بشكل واضح مع انتشار جائحة كورونا وعجز أميركا في التصدي لها داخلياً أو لعب دور قيادي دولياً لمواجهتها، في المقابل حلت الصين وروسيا وكوبا، مكان أميركا في لعب هذا الدور القيادي، الأمر الذي أسهم في تسريع التحوّلات الحاصلة أصلاً والمعبّر عنها في انتقال موازين الثقل في القوة الاقتصادية العالمية من الغرب إلى الشرق، وبداية ما أسماه الكاتب في صحيفة فريد زكريا عالم ما بعد أميركا، وكان عنوان لكتابه الذي تحدث فيه عن عوامل صعود الصين ودول عديدة في العالم وتراجع القوة الأميركية… وعاد وأكد عليه في مقال له كتب مؤخراً في صحيفة «واشنطن بوست» تحت عنوان «مرحباً بعالم ما بعد أميركا» تحدث فيه عن تراجع مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى على الساحة الدولية، مقابل صعود قوى أخرى أكثر هيمنة، بفضل السياسة الفوضوية للرئيس دونالد ترامب، وتصريحاته المثيرة للجدل، وهو ما دفع بأميركا نحو الهاوية بشكل أسرع مما كان متوقع.