من يريد أن يعرف من هي كامالا ديفي هاريس عليه كتابة الإسم باللغة التي يشاء على محرك البحث في غوغل وسيرى أنها أول إمرأة تصل إلى البيت الأبيض مع الرئيس الجديد جو بايدن ليست بالعادية. لنكن واقعيين من يصل للحكم في أميركا متمرس، ولديه تاريخ طويل من العمل السياسي وقائمة من المؤهلات العلمية في مجال السياسة أو علم الإجتماع أو القانون، وهاريس ليست بمختلفة عنهم.
ولكن الإعلام العربي علق كثيراُ على الأضواء التي خطفتها هذه السيدة من سيد "البيت الأبيض" الأول. ولكن! هذه الأضواء لم تكن تعبر عنها كإمرأة جميلة أو غير جميلة، فهي ليست ميلانا ترامب، وليست عارضة أزياء. في شكلها العام هي إمرأة لها جاذبيتها، ونقطة من أول السطر! بمعنى أن هاريس لها سحر مختلف وخاصة عند الإعلام الأميركي والشعب الأميركي.
رحب الإعلام الأميركي بهاريس كما رحب بإعلان القانون الذي يمنح المرأة حق التصويت في أميركا في العام 1920، وذلك بعد نضال استمر حوالي السبعين عاماً. واليوم وبعد مئة عام وصلت المرأة في أمريكا إلى ثاني منصب في الولايات المتحدة بعد مئة عام من النضال. وهو الأمر الذي يعد تراجعاً في دور المرأة الأميركية مقارنة بقريناتها في أميركا الجنوبية وأوروبا. ولذلك فإن البهرجة الصحفية التي حدثت في الإعلام الأميركي منذ إعلان فوز بايدن في الإنتخابات وحتى يوم التسليم، والتي أظهرت هاريس وكأنها النجمة الصاعدة في أمريكا لم تكن خارج هذا الإطار.
المرة الأولى التي طرح بها اسم إمرأة لتشغل منصب نائبة الرئيس في أميركا، كانت سارة بالين خلال حملة جون ماكي في العام 2008، التي انطلقت بالتوازي مع حملة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. كانت بالين حاكمة ألاسكا، الولاية الوادعة والتي تبعد 8000 كم عن العاصمة واشنطن. وهي تمثل كل ما يتخيله الشعب الأميركي، إمرأة بيضاء وجميلة. اهتمت الحملة الإنتخابية لماكين بأهم التفاصيل المتعلقة بلباسها وتجميلها وطريقة كلامها وأدائها. كانت إمرأة بسيطة في تفكيرها، ولا علاقة لها بالسياسة ولم تكن تعرف أين يقع البيت الأبيض! شكلت بالين أحد ركائز الفشل الذريع في حملة ماكين لرئاسة الجمهورية. عرضت قصة ترشحها في فيلم أميركي بعنوان "تغيير اللعبة"، وقد أظهر الفيلم بوضوح سطحية هذه المرأة، التي أفشلت حملة ماكين، وصدمت الجميع، بما فيهم منظمي الحملة، بعمق جهلها.
ولكن كامالا هاريس لا تشبه سارة بالين في شيء. فهي من أصول تامية هندية وأفريقية. وهي تعبر عن الخليط الأميركي الصاعد. وهي محامية ونائبة عن أهم ولايات أميركا، ألا وهي ولاية كاليفورنيا، والتي حاولت الإنفصال عن الولايات المتحدة ثلاث مرات حتى اليوم. وهي متعلمة ومطلعة، وعلى الأقل فهي تعرف بالتحديد أين يقع البيت الأبيض.
الأمر الثاني المتعلق بهاريس، هو ما تحدثت عنه مذيعات الـ CNN، وغيرهن من المذيعات النساء في أميركا، وهن يتحدثن كيف أنهنّ كنّ يشعرن بالإعتزاز كنساء وهنّ يراقبن تنصيب هاريس "المرأة" مع بناتهن. يبدو أن جميع النساء الأميركيات تعتبر هاريس التي تتحدر من عرق أسود وأصفر رمزاً قومياً نسائياً هاماً. رمزاً للنضال ضد العبودية والتمييز العنصري والتي جاءت في وقت ماتزال فيه أميركا تتعافى من قصص جورج فلويد ورفاقه ضحايا التمييز العنصري.
السؤال الذي طرحته الصحافة الأميركية بينما كان يتجه بايدن إلى البيت الأبيض يعبر عن القلق الأميركي الحقيقي، والذي لم يجب عنه بايدن خلال مسيره، ألا وهو "سيدي هل ستعيد أميركا موحدة مرة أخرى؟". ولكنه أجاب عندما سأله آخرون إلى أين أنت ذاهب الآن؟ فقال للعمل، وهذا بالضبط ما اجابت عنه هاريس: "للعمل". أي أن هناك تنسيق ملفت داخل الإدارة الأميركية. وأول ما سيوقع عليه بايدن هو إلغاء الحظر على تأشيرات الدخول المعطاة للدول ذات الأغلبية الإسلامية، وثانيها إلغاء قرار بناء الجدار العازل مع المكسيك. واللذان يعتبران قراران آنيان حاضران ويمثلان دليلاً على الخطوة الأولى التي ستأخذ بوجه العنصرية في أميركا، عبر الغاء قرارين عنصرين. وهاريس بخلفيتها العرقية المختلطة، وهي ابنة لأم تامية هندية أستاذة جامعية وأب ذو أصول سوداء مهاجرة من جامايكا دليلاً صريحاً على ذلك.
جو بايدن، كاثوليكي ذو أصول إيرلندية، ويعتبر ثاني رئيس أميركي بعد الرئيس الأميركي جون كنيدي، لا يعد أنغلوسكسونياً بروتستانتياً. كنيدي أول من وقع على قرارات لتحرير الأفارقة الأميركيين من قوانين التمييز العنصري التي سادت في أميركا لوقت طويل. خلال سنتين سيبلغ بايدن الثمانين من العمر. بغض النظر عن أنّه يبدو بهذه الصحة الوافرة. وعند الحديث عن الخلفية العرقية لكل من بايدن وكامالا هاريس، ذات الخلفية البوذية والتي أسمتها والدتها باسم يربطها بثقافتها اصلية، هو محاولة لقراءة المسار المفترض القادم في السنوات القادمة في بلد تعود العنصرية لتطفو فيه على السطح من جديد.
فإذا ما حدث أي طارئ لبايدن فإن أميركا ستقودها إمرأة سوداء مرة أخرى! ويبدو أن هاريس بحسب الهالة التي تحيط بها ستكون كما بايدن في إدارة أوباما، وديك تشيني في إدارة بوش، ومايك بنس في إدارة ترامب، اصحاب يد تصنع القرار. وليس مظهراً مهيباً رئاسياً فقط. وعندما نسأل عن مسار أميركا القادم وتأثيراته على الداخل فيها، فعلينا أن نعلم ما حدث من فوضى أثناء تصويت الكونغرس على منح الثقة لبايدن، هو دليل على حجم أنصار ترامب، الذي لم يكن يوماً عنصرياً ولكن قوته جاءت من العنصرية الأميركية البيضاء، فهل سنشهد على صعود العنصرية المضادة في اميركا؟ وهل ستسهم طلة هاريس من التخفيف منها؟ كل هذا متروك للأيام القادمة.