بعدما دخل تأليف الحكومة في إجازةٍ، إمتدت لنحو أكثر من شهر، وترافق ذلك مع دعواتٍ ومساعٍ متكررةٍ، إلى ضرورة تشكيل حكومةٍ جديدةٍ، تصب قصارى جهودها في عمليتي وقف الإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي، الذي قد يتطور الى أمنيٍ، ثم البدء بالنهوض من ذلك. وأبرز هذه المساعي، تلك الذي بذلها البطريرك الماروني بشارة الراعي، المستجد اليوم، هو دخول المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على خط المساعي المذكورة، بعدما لم تصل مبادرات الراعي المتكررة الى النتيجة المرجوة. فمن حيث التوقيت، فقد تزامن دخول إبراهيم على الخط، مع دخول البلد في "فترة سماح"، على حد تعبير مصادر سياسية متابعة لمسار تأليف الحكومة، وهنا توضح أن في هذه المرحلة الإنتقالية، التي يتسلم فيها الرئيس الأميركي جو بادين وفريقه، إدارة دفة الحكم في الولايات المتحدة، وهذا الأمر يتأتي في رأس أولوياتها راهناً، لذلك تترك الملفات الخارجية جانباً، لغاية تثبيت أعضاء فريق الإدارة العتيدة في مواقعهم الرسمية، ودائماً برأي المصادر المذكورة. وتلفت الى أن الساحة اللبنانية تشهد أيضاً إنكفاءً سعودياً، بالترامن مع الإنشغال الأميركي، على حد تعبيرها. وترى المصادر أن هذه العوامل الخارجية المذكورة، مؤاتية تماماً لتمرير ولادة الحكومة المرتقبة، إذا توافرت النيات الصادقة والتصميم لدى الأطراف المعنيين بعملية التأليف، على ضرورة تسريع "الولادة المرتجاة"، بالتالي تقديم التنازلات المتبادلة من الجميع، من أجل وصولهم الى إتفاق، يفضي الى هذه الولادة، تختم المصادر.
من الناحية العملانية، تحديداً لجهة الإتصالات والمساعي الآيلة الى تقريب وجهات النظر بين طرفي التأليف الأساسيين، رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف العماد ميشال عون وسعد الحريري، يؤكد مرجع سياسي وحزبي على تماسِ من موقع القرار في حزب الله، دعم الثنائي الشيعي لمساعي "مدير الأمن العام" المذكورة آنفاً. وينقل عن الحزب رأيه "أن البلد في حاجةٍ ماسةٍ الى حكومةٍ تطل على الخارج في هذه الظروف الدقيقة، التي يمر فيها لبنان والمنطقة والعالم بأسره". ولهذه الغاية يسعى "الثناثي" الى حث طرفي التأليف الى تقديم تنازلاتٍ متبادلةٍ ومرضيةٍ، لتسريع عملية "الولادة" المنتظرة، ويأتي في طليعة هذه التنازلات، أن يقدم الرئيس المكلّف على التفاهم المسبق مع رئيس الجمهورية على أسماء التشكيلة الحكومية الجديدة، وطبيعتها، وعندها من المفترض أن يقابله رئيس الجهورية بكل إيجابية وانفتاح، لتسهيل مهمة الحريري، وبوضوحٍ أكثر عدم تمسك فريق الرئيس عون والتيار الوطني الحر بالثلث الضامن، إذا كان هذا الأمر موجوداً أصلاً، ولكن كل المعطيات، تؤكد عكس ذلك، وقد تكون مسألة الثلث الضامن، مجرد ذريعة، إستخدمها رئيس تيار المستقبل، لتسويف ولادة الحكومة، في ظروف إقليمية ودولية، غير مؤاتيةٍ للحريري لإعلان ولادة حكومتة العتيدة، ودائماً براي المرجع. ويجزم أن تحالف التيار- الحزب عميق ومتماسك، وحكماً يمتد هذا التحالف الى الحكومة، ومجلس النواب أيضاً، موضحاً "أن الحريري غير قادر على تجاوز هذا التحالف، من الناحية الدستورية أولاً، لأنه في حال إقدامه على تجاوز التحالف، لن تنال حكومته ثقة البرلمان". ويردف المرجع عينه قائلاً : " أما في حال نالت حكومة الحريري الثقة، وبعد ذلك، أي ضمان الحريري لثقة النواب لحكومته، وبعد ذلك حاول رئيس الحكومة تجاوز فريق الرئيس عون والتيار في أي قرارٍ حكوميٍ، فالحزب سيكون بالمرصاد لأي تجاوزٍ من هذا النوع، ولن يقبل بتاتاً بكسر رئيس الجمهورية و"التيار". ويؤكد المرجع أنه يتحمل مسؤولية إعلان هذا الموقف الدقيق للحزب، كما ورد حرفياً.
وفي شأن الحديث عن التحالف الضمني بين الحزب والحريري، خصوصاً بعد ورود معلومات وتحليلات تتحدث عن تخلي السعودية عن الحريري، ومحاولته الإتكاء على تحالف روسي – إيراني – تركي في المنطقة، يلفت المرجع إلى أن حزب الله، تعاطى مع مسألة تكليف الحريري تشكيل الحكومة، بواقعية سياسية، فلا يمكن الإستمرار بحكومة تصريف أعمال، وإن يكن الحزب غير متأثر، في حال بقاء حكومة الرئيس حسان دياب في مسؤوليتها الراهنة، ولكن الحزب يلتفت الى مصلحة البلد والعهد، على حد تعبيره. ويلفت الى أن الحريري لايزال الأكثر تمثيلاً في الشارع السني، والأكثر من ذلك، أن الظروف الراهنة الدقيقة، لا تتيح تكليف رئيسٍ آخرٍ، فلا نملك ترف الوقت، وبكل صراحة ووضوح، ولا تتيح هذه الظروف كذلك إعادة تجربة مماثلة لحكومة دياب، خصوصاً لجهة إنتقاء الوزراء، الذين تركوه يواجه الواقع المأزم منفرداً، بعد الإستقالات المتتالية لوزراء حكومته، لاسيماعقب وقوع كارثة إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الفائت، كذلك فشل بعضهم في إدارة ملفاتهم، من دون أن يدخل في التسمية. ويختم المرجع بالقول : " بالتأكيد، نحن نسعى الى ولادة حكومة الحريرية المرتقبة، ولكن ضمن الثوابت الوطنية، وفي ضوء التمسك الشديد بعدم المس بهذه الثوابت، وفي مقدمها: ترسيم الحدود البحرية، وعدم التفكير بنشر قوات دولية على الحدود مع سورية، الأمر الذي اتفق عليه الحريري سابقاً مع أحدى المرجعيات المارونية، قبل إنتخاب عون، وفي نهاية المطاف : لن نسلم أعناقنا للحريري".
وفي السياق، يؤكد مرجع في فريق الثامن من آذار، ما ورد آنفاً، خصوصاً لجهة تصميم حزب الله على محاولة إنهاء الفراغ السياسي، الذي يتأتى في صلب خطة وزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو، لإخضاع لبنان، على أن يتم ملء هذه الفراغ ضمن الأصرار على التمسك بالثوابت الوطنية الآتية: "عدم تخطي رئاسة الجمهورية، عدم الالتفاف على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، عدم منح الحريري سلطةً مطلقة في البلاد"، وليس كرمى لعيون رئيس التيار الأزرق، على حد قوله. ويكشف أن الحزب أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري، هذا الموقف الحازم والجازم الآتي" "ممنوع كسر رئيس الجمهورية". ولكن يستبعد هذا المرجع أن يتحرر الرئيس المكلف من القيود السعودية المفروضة عليه، تحديداً لجهة عدم موافقة الأخيرة على مشاركة حزب الله من قريب أو بعيد في أي حكومة جديدة، لا بل أكثر من ذلك، بل عليها المطالبة بنزع سلاح المقاومة، وفق ما أكده السفير السعودي لمرجع نيابي سني مؤخراً. بالتالي يرجح المرجع عينه إستحالة ولادة الحكومة في المدى المنظور.
وتعليقاً على دخول اللواء إبراهيم على خط الوساطة الحكومية، يعتبر مرجع قريب من تيار المستقبل، ورؤساء الحكومات السابقين، أن إبراهيم لا يتحرك من دون دعم الثنائي الشيعي ومباركته، ما يؤكد أن عقدة تأليف الحكومة داخلية، ولسيت خارجية، الأمر الذي يحرج الثنائي، وتحديداً حزب الله، الذي يسعى الى تقريب وجهات النظر بين طرفي التأليف الرئيسيين. ويختم بالقول: "إذا كانت عقدة التأليف خارجية، فعلاً، فلماذا لا يكشف رئيس الجمهورية الجهة المعرقلة أمام الرأي العام؟".