لم تكن القوى السياسية اللبنانية وحدها من يراهن على التغيير في الإدارة الأميركية، حيث كانت العديد من العواصم الإقليمية والدولية تتابع بشكل دقيق السباق الرئاسي في الولايات المتحدة، وأبرزهم قد تكون باريس التي كانت اصطدمت مع إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترامب في العديد من الملفّات، الأمر الذي انعكس على مبادرتها تجاه لبنان بعد الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي.
إنطلاقاً من ذلك، قد يكون مفهوماً تجميد تلك المبادرة، بعد فوز جو بايدن، حيث كان الجميع ينتظر تسلم إدارة الرئيس المنتخب السلطة في 20 الشهر الجاري، خوفاً من دور سلبي من الممكن أن تلعبه واشنطن على هذا الصعيد، تكملة لسياسة العقوبات التي كانت قد فرضتها على العديد من الشخصيات اللبنانيّة، في حين سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مناقشة الملفّ اللبناني في أولّ إتصال هاتفي له مع الرئيس الأميركي الجديد.
في هذا السياق، تعتبر مصادر سيّاسية مطّلعة، عبر "النشرة"، أن الخطوة التي قام بها الرئيس الفرنسي لا يمكن أن تكون تفصيلاً بسيطاً في مسار الأزمة اللبنانيّة، خصوصاً أنّ باريس كانت تراهن على حصولها على تفويض أميركي بهذا الملف في عهد بايدن، الساعي إلى إعادة تعزيز علاقات بلاده مع حلفائها التقليديين، لا سيما الأوروبيين منهم، وبالتالي هو قد ربّما رأى أن الوقت الآن مناسب لإعادة تحريك مبادرته تجاه لبنان، رغم الخلافات التي لا تزال تطغى على علاقة الأفرقاء المحليين المعنيين.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هناك نقطة جوهريّة ينبغي التوقّف عندها في طرح ماكرون للملف اللبناني مع بايدن، تتمثل بأنّ الإعلان عن الرغبة في التعاون شملت الملفّين اللبناني والإيراني معاً، في مؤشر إلى الربط بينهما، في حين كان اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن أن "العودة للاتفاق النووي لن تكون كافية، إذ يجب مناقشة الصواريخ الباليستيّة وأنشطة إيران المزعزعة لأمن المنطقة"، بعد أن رفضت الدول الأوروبيّة، طوال الفترة الماضية، تلبية رغبات ترامب بالإنسحاب من الإتفاق النووي الإيراني.
وترى المصادر نفسها أنّ ما تقدم يعكس قناعة لدى الجانب الفرنسي بأنّ المنطقة قد تكون مقبلة، في عهد بايدن، على تسوية من العيار الثقيل من المفترض أن تشمل مختلف الملفات العالقة، مرتبطة بشكل أساسي بالتفاوض الأميركي الإيراني المنتظر، وبالتالي هي تريد أن تحجز موقعاً لها في هذه التسوية على الساحة اللبنانية، التي من المنتظر أن تكون بوّابة نحو منطقة الشرق الأوسط، من دون تجاهل الأهّمية على مستوى منطقة البحر المتوسط، حيث مصالحها في عمليّات التنقيب عن الغاز.
في قراءة المصادر السياسية المطلعة، هذا التحول لا يمكن أن يكون في وقت قريب، نظراً إلى أن المفاوضات الأميركية الإيرانية لن تكون بالأمر السهل، في ظلّ التعقيدات الكبيرة التي كان قد وضعها ترامب في هذا الإطار، ما يعني أنها قد تحتاج إلى الكثير من الوقت، لكن على المستوى اللبناني عنوانها الأساسي هو البحث في شكل النظام الجديد بعد إنهيار مختلف مقوّمات نظام الطائف في السنوات الماضية، لا سيما بعد الإنهيار المالي والإقتصادي الذي حصل بعد السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019.
بالتزامن، تلفت هذه المصادر إلى أنّ الأمر يتوقف على مدى التوافق الذي من الممكن أن يحصل بين الجانبين الفرنسي والأميركي حول النظرة إلى الملفّ اللبناني، نظراً إلى أنّ باريس كانت ترى أنّ أيّ حلّ من المفترض أن يضمن مشاركة "حزب الله" فيه، في حين أنّ واشنطن كانت تستهدف من سياسة الضغوط القصوى التي تنتهجها محاصرته وتقليب القوى السياسية والرأي العام المحلّي ضدّه، وهي عملت على دفع بعض الدول الأوروبيّة على وضعه على قائمة المنظمات الإرهابيّة لديها.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن النظرة الواقعية إلى الملف اللبناني من المفترض أن تتجاوز الحديث عن خلاف بين الأفرقاء المعنيين حول الملف الحكومي أو طريقة معالجة الأزمة الماليّة والإقتصاديّة، حيث بات البحث في الجوهر مع إنطلاق الحديث المحلّي حول ضرورة الذهاب إلى حوار وطني موسع أو مؤتمر تأسيسي، يعيد إنتاج الطبقة السّياسية التي وقعت في مأزق كبير على المستوى الشعبي.