بعد أقلّ من أسبوع يكون قد مضى على إنفجار مرفأ بيروت ستة أشهر كاملة، من دون أن يفهم أحد بعد ما الذي حدث، ولماذا، ومن المسؤول! فهل من بصيص أمل بإمكان كشف الحقيقة، في ظلّ توقيف عشرات الأشخاص، والإدعاء على آخرين، والإستعانة بالإنتربول؟ التطوّرات الأخيرة قد تُعطي فكرة عمّا يُمكن أن يحصل.
أوّلاً: رفض القضاء الروسي التجاوب مع مُذكّرة الإنتربول الصادرة بناء على طلب مرفوع من القضاء اللبناني(1)، بُوجوب إلقاء القبض على مالك سفينة "روسوس" إيغور غريتشوشكين، وعلى القُبطان الذي كان مسؤولاً عنها عند توقّفها في مرفأ بيروت قبل نحو سبعة أعوام بوريس بروكوشيف، بإعتبار أنّ القانون الروسي لا يُجيز القبض على أي مواطن روسي وتسليمه، بناء على طلب أي سُلطة أو دولة أجنبيّة. وما حصل مع المَطلوبين الروس إلى التحقيق، إنسحب إلى حدّ ما على المَطلوب الثالث إلى التحقيق وهو التاجر المسؤول عن شحنة نيترات الأمّونيوم البرتغالي خورخي موريرا الذي خضع لجلسة إستماع أمام القضاء البرتغالي من دون أن يتعرّض للتوقيف، حيث طلب المدّعي العام البرتغالي الذي إكتفى بمنع موريرا من السفر، تزويده بأيّ مُستندات أو وثائق يُمكن أن تدين رجل الأعمال البرتغالي ليستجوبه من جديد، علمًا أنّه لا مجال لتسليمه إلى لبنان حتى لوّ جرت إدانته من القضاء البرتغالي، باعتبار أنه لا يُوجد إتفاق لتبادل المَطلوبين بين لبنان والبرتغال.
ثانيًا: ظهر أخيرًا تطوّر مهمّ من شأنه أن ينسف الكثير من التحقيقات التي بُنيت على أساس أنّ شركة سافارو البريطانية هي التي إشترت شُحنة نيترات الأمونيوم من معمل روستافو أزوت في جورجيا، وباعته إلى شركة أخرى مُختصّة بصناعات المُتفجّرات في الموزمبيق، حيث تلقّت وكالة ريترز العالمية نفيًا من مرجعيّة رئيسة في الشركة(2) تؤكّد فيها عدم علاقة الشركة بالشحنة. أكثر من ذلك، تلقّت النيابة العامة التمييزيّة من السُلطات البريطانيّة مُراسلة تؤكّد أنّ شركة "آغروبلاند" التي تعاقدت مع مالك سفينة "روسوس" لنقل نيترام الأمونيوم من جورجيا إلى الموزمبيق غير مُسجّلة في جزر العذراء البريطانيّة، ما يعني أنّ الشركة المذكورة وهميّة، وأنّ عقد النقل بين الشركة ومالك السفينة المُقدّم إلى القضاء اللبناني مُزوّر!.
ثالثًا: في بداية مرحلة التحقيقات في إنفجار الرابع من آب 2020 جرت مُحاولات من قبل بعض الشخصيّات اللبنانيّة، لتسييس التحقيق، عبر توجيه إتهامات إلى مُعارضي النظام السُوري بالمسؤولية عن الشُحنة، لكن جرى الردّ على هذه الإتهامات أنّه كان من المُستحيل لوجستيًا على "المُعارضة السُوريّة" في حينه تنفيذ هذا الأمر، لأنّ السيطرة على مرفأ بيروت وعلى كل الطرقات من المرفأ إلى العمق السوري، كانت بيد جهات مُؤيّدة للنظام وليس العكس. واليوم، عاد التوظيف السياسي للإنفجار، حيث صدرت أخيرًا روايات عدّة وإتهامات مُتفرّقة، لا سيّما من جانب وسائل إعلام غربيّة، أميركيّة وبريطانيّة بالتحديد، بأنّ شُحنة نيترات الأمونيوم التي أدخلت إلى مرفأ بيروت كانت مُوجّهة لصالح النظام السُوري، وتحدّثت عن تورّط شخصيّات ورجال أعمال مُقرّبين من النظام بهذا الملفّ(3). والمُفارقة أنّ هذه الإتهامات سرعان ما تجد أرضيّة واسعة قابلة للتصديق، لأنّه يُوجد أكثر من دليل أنّ كميّة نيترات الأمونيوم التي إنفجرت في الرابع من آب هي أقلّ بكثير من تلك التي كانت مُخزّنة، الأمر الذي يفتح الباب أمام مصير باقي الكميّة: هل جرى بيعها لغايات ماليّة، أم هل جرى نقلها إلى سوريا أم سواها لغايات عسكريّة وأمنيّة، ومن هي الجهة التي قامت بذلك؟!.
رابعًا: إنّ التأخير غير المُبرّر في مُعاودة التحقيقات في إنفجار المرفأ، وكذلك التأخير المُستمرّ من قبل محكمة التمييز الجزائيّة، في حسم مسألة الدعوى المرفوعة ضُد المُحقّق العدلي القاضي فادي صوّان(4)، بحجّة عدم إستكمال التبليغات نتيجة الإقفال العام، فتحا الباب واسعًا أمام المزيد من التشكيل والتأويل، خاصة وأنّ محكمة التمييز الجزائيّة برئاسة القاضي جمال الحجّار كانت أعادت الملفّ إلى القاضي صوّان في العاشر من كانون الثاني لمُتابعة تحقيقاته من دون إنتظار ما سيؤول إليه القرار النهائي في دعوى "الإرتياب المشروع". ومن غير المُنتظر أن يتمّ حسم هذه المسألة قبل إنقضاء فترة الإقفال العام في الثامن من شباط المُقبل، ما يعني إستمرار الإشاعات المُتضاربة التي تطال التحقيق لمزيد من الوقت.
في الخُلاصة، أسئلة كثيرة لا تزال من دون أي إجابات شافية، إلى درجة يُمكن معها الإستعانة بالقول الشعبي اللبناني "ضاعت الطاسة!" فهل حان وقت كشف الحقائق، أم سيتمّ طمسها إلى الأبد، كما حصل في كثير من القضايا المُهمّة السابقة؟!.
(1) المُحامي العام التمييزي في لبنان القاضي غسّان الخوري كان طلب من الشُرطة الدَوليّة توقيف ثلاثة مُتهمين بقضيّة إنفجار المرفأ، هم مالك السفينة المعنيّة وقبطانها، ومالك شُحنة النيترات.
(2) إمرأة إسمها مارينا بسيلو مُعرّف عنها بأنّها مالكة شركة سافارو البريطانيّة، علمًا أنّها تعيش في قبرص ولا يُمكن إستجوابها أيضًا.
(3) تفتّحت الأعين مُجدّدًا على هذا الإحتمال بعد أن أظهرت تحقيقات قضائيّة لبنانيّة أنّ باخرة وصلت إلى لبنان أخيرًا كانت تنقل من ضُمن حمولتها الإجماليّة، 10 مُستوعبات تحتوي مادة "الصوديوم سالفايد"، على أن يتم شحنها عبر الترانزيت إلى سوريا، علمًا أنّه يُمكن إستخدام المواد المَذكورة لغايات عسكريّة، إضافة إلى الإستخدامات الصناعية والكيميائيّة والطبيّة.
(4) كان كلّ من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر قد طلبا تنحية القاضي صوّان عن الملف بحجّة "الإرتياب المَشروع".