أضاء قصر الاليزيه في الساعات الماضية شمعة في الليل الحكومي الحالك في لبنان من خلال البيان الذي أصدره الأحد الفائت حول الاتصال الذي حصل بين الرئيس الاميركي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون، حيث أبديا فيه كل استعداد للعمل معاً من أجل السلام والاستقرار في الشرقين الأدنى والأوسط، لا سيما في شأن الملف النووي الإيراني والوضع في لبنان.
إن مجرّد إثارة الوضع اللبناني في هذا الاتصال مع بداية استلام بايدن مفاتيح البيت الأبيض، يُؤكّد بأن هناك رغبة دولية وعلى وجه الخصوص فرنسية بإعادة الملف اللبناني إلى الأجندة الدولية بعد أن رحل عنها لبضعة أسابيع بفعل الإشمئزاز الدولي من تلكؤ المسؤولين اللبنانيين في تنفيذ ما كانوا قد وعدوا فيه ان خلال مؤتمرات الدعم، أو خلال زيارة الرئيس الفرنسي لبنان، وايداعه مسؤوليه مبادرة للخروج من المأزق، ومن ضمن عناوينها البارزة ضرورة الذهاب في اتجاه الإصلاحات والقيام بمحاربة حقيقية لمكامن الفساد على كل الصعد.
ومن خلال قراءة فحوى هذا الاتصال بين رئيسي دولتين نافذتين على المستوى الدولي نتأكد بأن الملف اللبناني لم يوضع على الرف بعد، وأن فرنسا عازمة على الالتزام بما كانت قد وعدت به لجهة مساعدة لبنان للخروج من أزماته السياسية والاقتصادية والمالية، وأن مسألة تشكيل الحكومة ما زال الرئيس ماكرون يعطيها حيزاً من اهتماماته المتشعبة في الشرق الأوسط، من دون أن تبرز أي معطيات تفيد بإمكانية حصول تحرك فرنسي قريب باتجاه تحريك المياه الحكومية الراكدة في لبنان أقله في غضون الأيام القليلة المقبلة.
وفي هذا السياق لم تستبعد مصادر سياسية متابعة أن يستعيض الرئيس ماكرون عن زيارته إلى لبنان والتي ألغيت قبل يوم واحد بفعل إصابة الرئيس الفرنسي بفيروس كورونا، باجرائه سلسلة اتصالات مع مسؤولين لبنانيين أو استقبال البعض منهم في قصر الاليزيه، أو إرسال موفد عنه الى بيروت لاستكشاف الأمور والنقطة التي وصلت إليها رحلة البحث عن التوليفة الحكومية، ومن الممكن أن يترافق ذلك مع مشاورات يقوم بها الرئيس الفرنسي مع دول القرار لا سيما الولايات المتحدة الأميركية وإيران بغية المساعدة في حلحلة العقد التي تعترض سبيل ولادة الحكومة التي طال انتظارها.
وتعلق هذه المصادر آمالاً كبيرة على أية محادثات أميركية - فرنسية تجري حول المنطقة كون أن الملف اللبناني حكماً سيكون من بين الأطباق الرئيسية التي ستحضر علی طاولة المباحثات هذه والتي ربما تحصل خلال زيارة التهنئة التي سيقوم به الرئيس ماكرون إلى البيت الابيض في الأيام المقبلة.
وفي رأي هذه المصادر أن عودة الاهتمام الفرنسي بالوضع اللبناني لا تعفي أهل الحل والربط في لبنان من اجراء المحاولات للخروج من «ستاتيكو» التأليف الحاصل والذي يكبد لبنان خسائر فادحة على كل الصعد، خصوصاً وأن هناك قرارات يجب أن تؤخذ، وملفات ملحة يجب أن تعالج ويتطلب ذلك وجود حكومة مكتملة الاوصاف للقيام بهذه المهمات، إذ لا يعقل أن يبقى المسؤولون في لبنان يتفرجون ويقفون مكتوفي الأيدي بانتظار خطوات خارجية تساعد على تأليف الحكومة. صحيح أن العامل الإقليمي والدولي يعلب دوراً فعالاً في العديد من الاستحقاقات اللبنانية، لكن ذلك لا يجوز أن يلغي الدور اللبناني بالكامل من هذه المهمة.
وتؤكد هذه المصادر أن وصول الطرفين المعنيين بأمر تشكيل الحكومة أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري إلى الدرجة الأخيرة من سلم التجاذبات والمناكفات، بات يتطلب لجوء الرئيسين إلى تبادل التنازلات، أي أن على كل فريق أن يتقدّم بخطوة تجاه الفريق الآخر، بعد أن أظهرت المعطيات أن الاستمرار في التعاطي بالشكل الذي هو عليه اليوم سيؤدي بالتأكيد إلى اتساع الهوة أكثر فأكثر، وبالتالي تصبح إمكانية المساكنة في حكومة واحدة من المستحيل، وبالتالي لن يعود أمامهما الا الطلاق الخلعي وهو ما يدخل البلد في اتون أزمات سياسية ومالية لا تحمد عقباها، خصوصاً وان المجتمع الدولي ما زال يُصرّ على قاعدة: «الاصلاحات مقابل المساعدات» وهذا بالتأكيد لن يحصل من دون التفاهم على حكومة قادرة علی القيام بهذه المهمة.
وإذا كان الأفق الداخلي شبه مسدود خصوصاً بعد الفيديو المسرب من قصر بعبدا، فإن العين تبقى شاخصة إلى بكركي، حيث يُنقل عن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بأنه لم يقطع الأمل بعد، وانه مستمر في مسعاه الخيّر، لا بل انه ناشط في اتصالاته المحلية والخارجية، وعبر موفدين إلى القصر الجمهوري و«بيت الوسط»، بغية إزالة الألغام التي ما تزال تعقد مسألة تأليف الحكومة. ويتوقع في هذا الإطار أن يرفع البطريرك الراعي في عظاته المقبلة من منسوب انتقاداته للمسؤولين وحثهم على التلاقي لتحقيق الانفراج على المستوى الحكومي لكي لا يذهب البلد إلى الانفجار الذي بات قاب قوسين أو أدنى.