منظومة مجرِمة متحكّمة متسلّطة سلطَوية سليطة فاجرة وغبيّة. هكذا هي المنظومة الحاكمة في لبنان، لا النظام القائم. دستورياً، النظام في لبنان ديمقراطي برلماني علماني قائم على الحرّية، المساواة وفصل السلطات. إنّه من أفضل أنظمة الحكم السياسية في العالم التي تولي الشعب سلطة القرار. مع بعض التعديلات الدستورية، يصلح نظام لبنان السياسي نموذجاً للحكم العادل في المجتمعات التعدّدية. لكن، الكارثة في التطبيق والممارسة.
اتفق الجميع ومنذ نشأة لبنان الكبير على النظام الديمقراطي ولكن ليسَ على شكل الديمقراطية.
حتّى الساعة، يبحث هذا البلد عنها.
الديمقراطية التوافقية القائمة على التوزيع الطائفي في السلطة نجحت في تأمين جزء من الإستقرار الأمني ولكنها فشلت في إنماء الدولة. وعندما نقول دولة أي أرض، شعب وسلطة. الأركان الثلاثة للدولة في الحضيض.
الأرض أحادية صحيح. فشل مشروع التقسيم صحيح. اندحر الأعداء صحيح. ولكن أرضنا بجزء منها محتلّة والقسم الآخر متنازع عليها وغير مرسّمة حدودها. أرضنا تستباح أجواؤها من طائرات معادية والمجتمع الدولي غائب لان السلطة مقصّرة.
لم تنجح التوافقية في إنماء مناطق لبنان كافّة. الفقر والرجعية والجهل والعصبية والزبائنية والإقطاعية والعشائرية في صلب أطراف الأطراف من الشمال الى الجنوب.
الأرض في هذه الدولة فقدت خضرتها ونضارتها وصخورها ومياهها وتربتها، وما بقي منها ليس إلّا آثار جرائم استهدفت أجمل بيئة في شرق البحر الابيض المتوسط. لا زراعة ولا صناعة ولا سياحة ولا خدمات في الطليعة. أرضنا في الحضيض نعم.
أمّا الشعب! شعب لبنان التوّاق إلى الحياة والتفوّق، البارع في مختلف ميادين العلوم، يُسحَق في أرضه.
شعب فرزته السلطة الى طوائف ومذاهب وأحزاب. شعب يرفع علم حزبه ولا يملك ثمن شراء علم بلاده.
شعب يتبادل الاتّهامات ويعيش في الماضي الأليم. كيف لا؟ وأمراء الحروب يحكمونه!.
شعب يفتقد للأمان الاجتماعي ولا فرص أمامه للنهوض. شباب يهاجر وكهول تتلوّى. شعب مضحوك عليه بحرّية مزيّفة وهو مسجون في صراع البقاء.
في العام ٢٠٢١ شعبنا يستجدي سلطته للقمة عيشه. ومن هي سلطته؟! لكلّ فئة سلطتها.
أين فرص العمل؟ أين الاستثمارات؟ أين الاقتصاد المنتج؟ أين العملة الوطنية؟ أين الطبابة؟ أين التعليم المجاني؟ أين ضمان الشيخوخة؟ كل شيء ضائع في فناء فوضى الشعب. وبعضهم مكتفٍ وممنون.
نعم، بعضهم مكتف وممنون بالمأكل والمشرب والمسكن العتيق، لأنه يدرك أن الحياة كرامة وعزّ ولو في عزّ العوَز.
وبعضهم ممنون ومكتف لانّه صنع مملكته الخاصة بجهوده الخاصة غير مبال لما تقدّمه الدولة. والبعض الآخر عزّته في صورة زعيمه. طالما هذه الاخيرة لا تهتزّ فهو بخير ولئن هلك البلد. أمّا السلطة، فهي غارقة في مستنقع الوجود بين مرتكب وبريء. بين محور وآخر.
استشرى الفساد على مدى عقود وأعاق كل أشكال التطوّر الإيجابي لا سيّما الإداري العام. ارتُكبت كل أنواع الجرائم من اغتيالات ونهب وكذب ولم تُكتَشف حقيقة واحدة. التبعيّة للخارج مزّقت أواصر التوافق في الداخل. اخترب كلّ شيء وتحوّلتم أنتم الى متسوّلين. ومَن أقصد بـ"أنتم"؟.
أنتم أيها الناس بين السلطة او الشعب اللاهثين خلف وهم "الإقصاء" و"الإلغاء" المستميتين الى إنهاء الآخر الذي لا تستسيغونه كشريك في الوطن. أنتم تحوّلتم الى متسوّلين في الداخل وعلى ابواب سفارات الخارج تستجدون قراراً أو مركزاً أو عوناً مادياً باسم الوطنية لترتكبوا كل أشكال البغض وجشع الاستئثار. تحوّلتم إلى متسوّلي خراب وكره ودمار باسم الطائفيّة والوجوديّة وحوّلتم ناسكم الى متسوّلي وطن معكم.
كلّ شيء في الحضيض. الدولة لا تنهض وحدها. وما سقط سقط الى لا رجعة.
الديمقراطية التوافقية انتهت. والالغائية سقطت. النظام قائم ولن يسقط. شكل الديمقراطيّة لا بدّ ان يتبدّل والدستور سيُعدّل والعقد الاجتماعي الجديد آتٍ ولو بعد خراب. ليست تمنيّات. إنّه قرار دولي. لبنان ورقة التهديد. وكلّما عَظُمَ، عظُمت كلمته وكلّما اخترب، اخترب الجميع.