تتطلّع القيادة الفلسطينية إلى العمل مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد تسلّمه مقاليد الحكم في الولايات المُتّحدة، انطلاقاً من الثقة المُتبادلة لتعزيز العلاقات، وتحقيق السلام بإقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
يأمل الفلسطينيون في أنْ تكون العلاقة أفضل مع إدارة البيت الأبيض، بعد 4 سنوات عجاف، مرّت خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الأكثر انحيازاً لصالح الكيان الإسرائيلي من بين 13 رئيساً أميركياً مُنذ نكبة فلسطين في العام 1948.
قبل عام، وتحديداً يوم الثلاثاء في 28 كانون الثاني/يناير 2020، كان الرئيس ترامب يُتوّج قراراته ضد القضية الفلسطينية بإعلانه عن "صفقة القرن"، التي تهدف إلى شطب القضية، واهباً مَنْ لا يملك إلى مَنْ لا يستحق، شريكه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
لكن رحل ترامب وبقيت فلسطين، فيما نتنياهو يُواجه مأزقاً بتراجع شعبيته وارتفاع أعداد المُتظاهرين المُطالبين برحيله مُنذ أكثر من 8 أشهر.
مع دخول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، بدأت البوادر تُشير إلى احتمالات تحسّن العلاقة مع الجانب الفلسطيني، من خلال عزم إدارته على إعادة فتح مكتب "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن الذي أغلقه ترامب.
وأيضاً إعادة فتح قنصلية القدس الشرقية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، واستئناف برنامج المُساعدات الأميركية لمُساعدة الفلسطينيين.
لقد استطاع الرئيس "أبو مازن" بفضل حكمته التي اكتسبها على مرّ سنوات، وفلسفة الصبر التي امتاز بها، أنْ يتصدّى للمُؤامرة، مُنطلقاً من ثوابت رئيسية، وهي الوحدة الداخلية الفلسطينية، وأنّ ترامب ليس قدراً، فهو
ليس بأوّل رئيس يمرّ على إدارة البيت الأبيض مُنذ نكبة العام 1948، وإنْ كان الأكثر تحيّزاً لصالح الكيان الإسرائيلي وإجحافاً ضد القضية الفلسطينية.
وواجه رئيس آخر دولة ما زالت ترزح تحت الاحتلال، رئيس أكبر دولة في العالم، برفض "صفقة القرن" قبل أنْ يُعلِن عنها، لأنّه وبعد اللقاء الأوّل بين الرئيسين ترامب وعباس في البيت الأبيض، يوم الأربعاء في 3 أيار/مايو 2017، أبلغه بأنّ "حل القضية الفلسطينية سيكون سريعاً، وبما يضمن الحقوق".
لكن سرعان ما أبلغهم صهر الرئيس الأميركي وكبير مُستشاريه جارد كوشنير بأنّ "عليهم أنء ينسوا ما سمعوه خلال لقاء الرئيس ترامب، وأنّ الأولوية هي دولة قومية يهودية، عاصمتها القدس المُوحّدة، مع الاعتراف بدولة فلسطينية، عاصمتها أحد ضواحي القدس".
تعدّدت وسائل ضغط ترامب:
- إعلانه الاعتراف بالقدس المُوحّدة عاصمة للكيان الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها (6 كانون الأول/ديسمبر 2017)، وما تلا ذلك من وضع الحجر الأساس للسفارة في ذكرى قيام الكيان الإسرائيلي (14 أيار/مايو 2018).
- إغلاق مكتب "منظّمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن (10 أيلول/سبتمبر 2018)، بعدما كان قد رفض تجديد الترخيص له (18 تشرين الثاني/نوفمبر 2017).
- قطع العلاقة مع السلطة الفلسطينية بعدم دعوة المسؤولين إلى البيت الأبيض والخارجية ووزارة المالية، وعدم استقبالهم في مجلس الأمن القومي الأميركي، وقطع العلاقة اليومية والتنسيق اللذين كانت تقوم بهما القنصلية الأميركية مع السلطة.
- وقف دعم الولايات المتحدة الأميركية لوكالة "الأونروا"، البالغة حوالى 365 مليون دولار من أصل الموازنة العامة البالغة 1.2 مليون دولار - أي ربع الموازنة (31 آب/أغسطس 2018).
- تجميد الإدارة الأميركية مُساعداتها المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وليس آخرها وقف تحويل 200 مليون دولار أميركي كانت تدفعها الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية (25 حزيران/يونيو 2018).
- اتخاذ الكونغرس الأميركي قراراً بوقف المُساعدات للسلطة الفلسطينية، بذريعة أنّها تدفع الأموال لعائلات فلسطينيين حكم عليهم الكيان الإسرائيلي أو اعتقلهم، إثر تنفيذ عمليات - والمقصود بذلك - عائلات الشهداء والأسرى (3 كانون الأول/ديسمبر 2017)، فيما كان يمنح مُساعدات للكيان الإسرائيلي بملايين الدولارات.
- وقف المُساعدات الأميركية إلى مستشفيات فلسطينية في مدينة القدس كانت تقدّمها وتبلغ قيمتها حوالى 20 مليون دولار أميركي (9 أيلول/سبتمبر 2018).
- تقليص الولايات المتحدة مُساعداتها إلى المنظّمة الأممية للعام المالي 2018-2019 والبالغة 285 مليون دولار أميركي، علماً بأنّ الولايات المتحدة كانت تدفع 3.3 مليارات دولار أميركي سنوياً - أي ما نسبته 22% من ميزانية الأمم المتحدة.
- تشجيع ترامب الاستيطان والاعتراف بالسيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
- الإعلان عن ضم هضبة الجولان السوري المُحتل إلى الكيان الإسرائيلي.
هذا قبل التطبيع الإسرائيلي مع عدد من الدول العربية.
وعلى الرغم من كل الظروف المُتعدّدة، فإنّ الرئيس عباس الذي أكد دائماً التمسّك بقرارات الشرعية الدولية، طرح رؤية لعقد مُؤتمر دولي للسلام خلال العام 2021، وهو ما لقي دعماً واحتضاناً دولياً، لأنّها تنطلق من قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، التي أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود - يوم كان ولياً للعهد - خلال "القمة العربية" الـ14 التي عُقِدَتْ في بيروت يومي 27-28 آذار/مارس 2002.
وأنْ يكون عقده تحت إشراف المُجتمع الدولي ومُشاركة الرباعية: الولايات المُتّحدة الأميركية، روسيا، الأمم المُتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن ينضم إليهم: المملكة العربية السعودية، جمهورية مصر العربية، المملكة الأردنية الهاشمية، الصين وجنوب أفريقيا، على أساس القانون الدولي وقرارات الأُمم المُتّدة ذات الصلة.