شدّد المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، على أنّ "من المؤسف والمؤلم جدًّا أن يصدر الكلام المنقول عن رئيس الجمهوريّة ميشال عون في إحدى الصحف المحليّة، في ما البلاد تواجه سيلًا من الأزمات الصحيّة والأمنيّة والسياسيّة، وتشهد العاصمة الثانية طرابلس هجمةً منظّمةً تثير الريبة في أكثر من اتجاه"، مشيرًا إلى أنّه "يبدو أنّ البلاد في وادٍ من المعاناة والأزمات، والعهد القوي في وادٍ سحيق آخر من اللامبالاة والإنكار والتجنّي على الآخرين".
وركّز في بيان، على أنّه "ممّا يفاقم الأسف، ألّا تبادر دوائر القصر الجمهوري إلى نفي الكلام وتوضيحه، منعًا لتحميل الرئيس عون وموقع الرئاسة مواقف وروايات غير صحيحة، لا تستوي مع مكانة الرئاسة ومسؤوليّاتها الوطنيّة في هذه الظروف الصعبة. وقد رأينا وجوب الإضاءه على بعض النقاط الّتي وردت في "مقالة" الرئيس، بما يعيد تصويب الحقائق ويجنّب الرأي العام اللبناني الوقوع في حبائل الخبريات المسمومة".
وأكّد المكتب الإعلامي، أنّ "أوّلًا، الواضح من السياق الكامل للكلام المنسوب، أنّ دوائر قصر بعبدا تريد توجيه الاشتباك الحكومي نحو مسارات طائفيّة، وهي تنزع بذلك عن رئيس الجمهوريّة صفة تمثيل اللبنانيّين بمختلف أطيافهم، لتحصر هذا التمثيل بمسؤوليّته عن حصص المسيحيّين في الدولة والسلطة والحكومة، وقد ورد قوله وفقًا للمقال: "لن أفرّط بما أنجزناه خلال السنوات الأخيرة، بجعل الفريق المسيحي شريكًا فعليًّا وليس صنيعة الآخرين الّذين يفرضون مشيئتهم عليه. هنا مصدر صلاحيّاتي الدستوريّة ومسؤوليّاتي السياسيّة".
ولفت إلى أنّ "لعلّ دوائر القصر تعلم، ولا تريد أن تعترف، بأنّه ليس سعد الحريري من يفرّط بحقوق المسيحيّين ودورهم ومكانتهم في الدولة والسلطة والمؤسّسات، وإلّا لما كان ميشال عون في موقع رئاسة الجمهورية الآن. وانّ الحريري ابن مدرسة سياسيّة عبرت الطوائف منذ عقود، وآمنت بالعيش المشترك قولًا وفعلًا ونصوصًا دستوريّة". ورأى أنّ "نقل الخلاف السياسي إلى ساحة التطييف، محاولة غير موفّقة ومرفوضة ولن تمرّ، لتنظيم اشتباك إسلامي - مسيحي، يفترض البعض أنّه أقصر الطرق الموحلة لتعويم من يريدون تعويمه وتعبيد طريق بعبدا للإرث السياسي".
وذكر أنّ "ثانيًا، يقول عون في المقالة "في أحد اجتماعاتي مع الحريري، قال لي إنّه الرئيس المكلّف وهو مَن يؤلّف الحكومة كلّها. طبعًا هذا لم أسمح به قبلًا، ولا الآن. بحسب المادّة 53". والقول هنا في غير مقامه ومجرّد وهم وقراءة خاطئة"، متسائلًا: "أي عاقل يمكن أن يتصوّر تمسّك الرئيس المكلّف بحقّ حصري في ولادة الحكومة، وهو أوّل من يدرك أنّ مراسيم التشكيل تصدر بالاتفاق بين الرئيسَين؟ الدستور واضح وليس من داعٍ لاستخدامه في الحسابات والحصص السياسيّة. رئيس مجلس الوزراء يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقّع مراسيم التشكيل بالاتفاق مع رئيس الجمهوريّة... وخلاف ذلك تفسيرات غبّ الطلب".
وشرح المكتب الإعلامي أنّ "ثالثًا، في المقال أيضًا كلام للرئيس عون: "من الطبيعي أن يسمّي رئيس الجمهوريّة الوزراء المسيحيّين بسبب إحجام الأفرقاء المسيحيين عن المشاركة (...) واخترع الثلث +1 على أنّني أطالب به. هذا غير صحيح، ولم أطالب يومًا بالثلث +1 (...) طالبت بستة وزراء، أي خمسة +1. هذه حصّة التمثيل وليست حصّة التعطيل. (... )عندما تسأله عن الوزراء الشيعة، يقول إنّه متفاهم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على وزارة المال، ومع "حزب الله" على وزرائه. في النتيجة يسمّي رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط وزيره، والشيعة وزراءهم، و"حزب الطاشناق" وزيره، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية كذلك، والحريري يسمّي الوزراء السنّة، ويريد أن يكون شريكًا في تسمية الوزراء المسيحيّين. هذا ما لا يمكن القبول به، لأنّه يخلّ بالتوازن داخل الحكومة".
وشدّد على أنّه "قد غاب عن الرئيس عون أنّه أودعني قائمة بمجموعة أسماء، اخترت منها وفقًا للأصول مجموعة من المشهود لهم بالكفاءة والاختصاص، نشر معظمها في المقال، كما غاب عنه أنّ الحلّ الّذي اعتُمد لوزارة المال تمّ بالتوافق، ولم يقع الاعتراض عليه من قصر بعبدا، بدليل أنّ الورقة الّتي سلّمني إيّاها لاحظت تخصيص وزارة المال للشيعة. أمّا الثلث المعطل فله كما يعلم شأن آخر، يقودنا إلى ورقة توزيع الحقائب على الطوائف وممثّلي القوى السياسيّة، وهي ورقة تشكّل خرقًا تامًّا لمبدأ تشكيل حكومة من أهل الاختصاص، وتستدرج التشكيلة تلقائيًّا إلى خانة الثلث المعطل".
وأفاد بأنّ "في المحصلة، يستحسن العودة إلى التأكيد أنّنا نطالب بحكومة من الاختصاصيّين، والقصر يريد حكومة من الحزبيين، والقطبة الخفيّة في هذا المجال لم تعد مخفيّة عندما يقول الرئيس في المقالة المنسوبة إليه "سايرناه في حكومة من 18 وزيرًا. يبدو أنّه لا يراها إلّا كما يريدها هو. لن نتحدّث من الآن فصاعدًا إلّا في حكومة من 20 بإضافة وزيرين درزي وكاثوليكي". وجزم أنّ "بالمختصر المفيد؛ لن تكون هناك حكومة إلّا من 18 وزيرًا... ونقطة عالسطر".
إلى ذلك، أشار المكتب الإعلامي إلى أنّ "رابعًا، "لم أعد أفهم عليه. ما يريده اليوم هو غير ما سيطلبه في اليوم التالي". هذه العبارة منقولة عن الرئيس عون، لكنّها تصح لتبنّيها من المكلّف، الّذي لا يكاد أن يغادر قصر بعبدا بعد كلّ اجتماع محمّلًا بالأجواء الإيجابيّة، حتّى تطلّ العقبات من الغرف المحيطة".
وبيّن أنّ "الحريري قد راهن على فتح صفحة جديدة تنقل البلاد إلى مساحات من المصالحة والإنجاز والإنقاذ الاقتصادي ، وهو أَقدَم على مغامرة انتخاب العماد عون رئيسًا، مدركًا أهميّة التأسيس لمرحلة جديدة لا تحكمها سياسات الانكار والتعطيل، غير أنّ الرياح جرت مع الأسف بما لا تشتهي النوايا الطيّبة وإرادة العيش المشترك، والجهد المطلوب لوقف استنزاف الدولة في حلبات الطوائف"، موضحًا أنّ "المكتب الإعلامي لم يكن بحاجة لكلّ ما قيل، وهو الّذي التزم الصمت باسم الحريري وتصرّف على قاعدة أنّ البلاد تحتاج التهدئة لا التوتّر والحكمة في مقاربة الأمور والأصول في مراعاة العلاقات بين الرئاسات، وليس الجنوح نحو التصعيد".
وركّز على أنّ "ختام المقالة الممهورة بتوقيع الرئيس، فهي مع الأسف أيضًا وأيضًا وأيضًا، صناعة ركيكة لمعلومة ملفّقة، وفيها أنّ الرئيس المكلّف اقترح "كي تحصل الحكومة على الثقة في مجلس النواب، ينبغي صرف النظر عن التحقيق الجنائي. بري وجنبلاط لا يمنحان الحكومة الثقة في ظلّ التحقيق الجنائي". ولفت إلى أنّ "يبدو أنّ عون نسي أو تناسى أنّ مجلس النواب أقرّ التحقيق الجنائي في 20 كانون الأوّل ووافقت عليه "كتلة المستقبل" إلى جانب كتلتَي بري وجنبلاط، وربّما نسي أو تناسى أيضًا أنّه كان أوّل من بادر إلى الإشادة بقرار مجلس النواب. وفي الحالتين يكون إن تناسى مصيبة وإن نسي فالمصيبة أعظم".
في الختام، تساءل المكتب الإعلامي: "أيّة مخيّلة تصنع للرئيس كلّ ذلك، لتبرّر له أمام اللبنانيّين سياسات التعطيل؟ وأيّ عقل هذا الّذي يريد اشتباكًا طائفيًّا بأيّ وسيلة تارةً مع هذه الجهة، وتارةً أخرى مع تلك؟ أساليبهم لن تقطع معنا بعد اليوم، ولن نعطيهم فرصة الفرحة بأيّ اشتباك إسلامي- مسيحي. ولكلّ مقام مقال إذا شاؤوا".