أعلن رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، "مبادرةً للعيش المشترك والدستور والإنقاذ الوطني، تقوم على تطبيق "اتفاق الطائف"، والتمسّك به بصفته مرجعيّة نهائيّة"، مشيرًا إلى أنّ "الخلاف بين الخيارَين اللذين يتنازعان لبنان في هذا الوقت، ينقسم بين جهة تتمسّك بخيار الطائف المنسجم مع تكوين لبنان، ومعناه ودوره، الّذي لم يحظَ بأيّ فرصة حقيقيّة للتطبيق والإنجاز حتّى الآن، وبين تطلّعات أُخرى من خارج العقد الوطني الحقيقي، تراهن على موازين قوى متحرّكة في الداخل والخارج، وهي بذلك مشاريعُ غَلَبة أو غربة لا يحتملها لبنان".
ولفت في حديث صحافي، إلى أنّ "لبنان قائم على قوّة التوازن، وليس توازن القوى"، مبيّنًا أنّ "العودة إلى الطائف تنصف الجميع وتطمئنهم". ورأى أنّ "أخطر ما في الوضع الراهن هو عجزُ القوى السياسيّة المتصدّرة للمشهد عن المبادرة في تحديد وجهة إنقاذيّة وطنيّة (أي عامّة)، بدلًا من انشغال كلّ فريق بالمحافظة على رأسه، في انتظار ما ستُفضي إليه لعبة الأمم في المنطقة، للتكيُّف طوعًا أو كرهًا مع نتائجها".
وأعرب السنيورة عن اعتقاده بأنّ "اتفاق الطائف كان تسوية تاريخيّة واقعيّة منْصِفة متوازنة، بالإضافة إلى أنّها صَحّحت عددًا من الانطباعات والسلوكيّات الخاطئة الّتي اعتَوَرت التجربة اللبنانيّة في مدى قرنٍ من الزمان"، منوّهًا إلى أنّها "تمتلك مقوّمات الدوام الاستراتيجي". وأكّد أنّ "مقاربتنا أو مبادرتنا هذه، لا تنطلق من تمييزٍ مسبَق بين أحزابٍ وطوائفَ وقطاعات وأمزجة أهليّة سائدة في هذا الجانب أو ذاك، وإنّما تقوم على التمييز في كلّ هذه المستويات بين مَن استخلَصوا الدروس، وعقدوا العزمَ على التلاقي، وبين مَن لم يستخلصوا بعد أو لم يعقدوا العزم"، مفسّرًا أنّها "ليست مبادرةً في وجه أحزاب وكيانات سياسيّة، وإنّما في وجهِ مراوحة قاتلة".
وشدّد على "أهميّة وسموّ العمل الوطني اللبناني الّذي يتحقّق بنتيجته نهوض لبنان، بصفته رسالة وقيمة حضاريّة وثقافيّة ووطنيّة، يجتمع من حولها اللبنانيّون ليُعزّزوا جهودهم من أجل إعادة الاعتبار لدولتهم القادرة العادلة، بقرارها الحرّ المستقل وسلطتها الحصريّة الوحيدة على كامل أراضيها، المصمّمة على تحييد لبنان بشكل إيجابي عن كلّ الصراعات والمحاور الإقليميّة والدوليّة، كما جاء في مبادرة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي". وأشار إلى أنّ "بتلك المعاني وغيرها، يكون اتفاق الطائف قد مَهّد الطريق لزمنٍ لبناني جديد حَدَاثي".
وركّز على أنّ "تراكم الأزمات في الداخل اللبناني، أخذ يُغري بعضَ الجهات بتمرير اقتراحٍ انقلابي معلن على طبيعة النظام السياسي اللبناني، وصيغة العيش المشترك في هذا التصدّع". وَعَدَّ أنّ "الأزمات القائمة المتناسلة منذ عقود، ليست ناجمة عن أزمة نظامٍ سياسي ثبتَ فشلُه أو قُصورُه بالتجربة، كما يزعم بعضهم، وإنّما هي أزمة إداراتٍ سياسيّة لم تكن في مستوى تسوية الطائف التاريخيّة". وذكر أنّ "لبنان تأسّس على فكرة العيش المشترك، والمصلحة المتداخلة بين أبنائه"، لافتًا إلى أنّ "بعد اتفاق الطائف، تمّ تلزيم تطبيق الإصلاحات الدستوريّة إلى النظام السوري، ولهذا كان لمصلحته أن يتصرّف بصفته رجل المطافئ الّذي يشعل الحرائق، مع البقاء جنبها كي يستطيع أن يشعلها في وقت لاحق".
كما بيّن السنيورة أنّ "الأحزاب الطائفيّة الّتي أدارت البلد، جعلت المخاوف المشتركة تحلّ مكان العيش المشترك، وبدل أن يستفيد كلّ واحد من مميّزات الآخر، صار هناك خوف من الآخر". وشرح أنّ "الطرح الّذي يتمسّك به بخصوص اتفاق الطائف، لا يعني أنّ أيّ دستور في الدنيا مقدَّس. على العكس من ذلك، بالإمكان التطوّر والتوضيح، لكن عندما تهدأ النفوس". وشدّد على أنّ "موضوع تطوير النظام لا يمكن أن يُبحَث تحت التهديد بالسلاح والقمصان السود والشارع"، مؤكّدًا "ضرورة أن يكون للبنان قرار حر، ولا يكون محكومًا لقرار خارجي أو سلاح خارجي يفرض على اللبنانيّين ما يجب أن يقوموا به".
وأوضح أنّ "مجلس الشيوخ المطلوب تشكيله، بحسب وثيقة الطائف، ليس مجلسًا تشريعيًّا يَنحصر اهتمامه وقرارُه في القضايا الكبرى المتعلقة بالعيش المشترك"، معربًا عن قناعته بأنّ "أَعظم الدساتير ترتبط بحسن نوايا من يطبّقونها". ولا ينفي أنّ "المشكلة بدأت عندما بدأ الترويج لنظريّة أنّ "رئيس الجمهوريّة ينتخبه المسيحيّون"، وبعدها قضيّة الأقوياء الأربعة الّذين يجب أن يكون من بينهم الرئيس"، مشيرًا إلى أنّ "هذا خطأ كبير".
وذكّر بـ"أنّه ذهب إلى بكركي حينها، ليخرج على الإعلام برسالة، مفادها بأنّ انتخاب الرئيس يهمّ كلّ اللبنانيّين، وليس المسيحيّين وحدهم". وركّز على أنّ "بعد ذلك، حضرت نظريّة الرئيس القوي. وقد قلت في طاولة الحوار الّتي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري (في عام 2006)، إنّ ذلك يفرض رئيسًا قويًّا عند كلّ الطوائف، وعلى رئيس الجمهوريّة أن يكون رئيسًا جامعًا لكلّ اللبنانيّين، وليس لفريق محدَّد".
إلى ذلك، جدّد السنيورة التأكيد أنّه "وقتُ الخيارات الوطنيّة الكبرى الجامعة، وليس وقتًا لحماية رأسٍ من هنا أو هناك، تورَّط في رهانٍ زيَّنه له طيشُه أو أزمته الذاتيّة، ذلك أنّ لبنان يكون بجميع بَنيه أو لا يكون، ولجميع بَنيه أو لا يكون"، مبيّنًا "أنّنا لا نجدُ بديلًا عن اتفاق الطائف والدستور، مرجعيّة ودليلَ عمل، بل نعدّهما المرجعيّة الأنسب لاستقرار لبنان ومعافاته على طريق السيادة والاستقلال وصَونِ العيش المشترك، في وطنٍ نهائي لجميع أبنائه، عربي الهويَّة والانتماء، وفي دولة مطابقة لمجتمعها، لا دولة الغَلَبة على مجتمعها، كما هي الحال في دول الأنظمة الكليانيّة التوتاليتاريّة".