اسبوعٌ على التفجير الدمويّ المزدوج الذي هزّ ساحة الطيران وسط العاصمة العراقيّة بغداد وتبنّاه "داعش" موقعا عشرات الضحايا في اوّل يوم على تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأميركية.. دخل الأخير البيت الأبيض على متن ضربات عنيفة سدّدها التنظيم بدءا بتفجيرَي بغداد، ومُلحقا بهجوم كبير في محافظة صلاح الدّين ما ادّى الى استشهاد قيادي بالحشد الشعبي وعدد من رفاقه خلال صدّهم الهجوم، تزامنا مع هجمات اخرى ضدّ الجيش السوري في البادية السورية، كان أعنفها هجوم بادية الشولا الذي اودى بحياة العشرات من الجنود السوريين عشيّة رأس السّنة.. وكل تلك الهجمات نفّذها "داعش" على وقع نشاط غير مسبوق للمروحيّات الأميركية بشكل يوميّ وعلى دُفعات في نقل العشرات من مقاتلي التنظيم في سجون ميليشيا "قسد"، الى القواعد الأميركية في العراق، وفي منطقة التنف حيث يتمّ "تجهيز" العشرات منهم على ايدي ضبّاط اميركيين لتنفيذ ضرباتهم.. فيبدو واضحا اعادة تحريك ورقة "داعش" في وجه سورية والعراق، في مشهد يُعيدُنا الى حقبة ولاية باراك اوباما التي خرج من رحمها التنظيم الدموي..
سريعا جاء الثّأر لشهداء تفجيرَي ساحة الطيران ببغداد.. فنحو الوُجهة المتورّطة وبشكل مباشر، نفّذت طائرات مسيّرة هجوما استهدف قصر اليمامة ومواقع اخرى في العاصمة السعودية الرياض. لكن هذه المرّة لم يأت الرّد من اليمن، حيث نفت حركة "انصار الله" ان تكون نفّذت الهجوم، بل تبنّته جهة جديدة صعدت الى الواجهة تحت اسم "الوية الوعد الحقّ"، مُعلنة "بداية نقل معادلة الرّدع الى داخل مشيختهم ثأرا لدماء الشهداء"- حسبما جاء في اولى بياناتها، ومتوّعدة بأن تكون الضربة التالية في دبي "اذا ما تكرّرت جرائم ابن سلمان وابن زايد".
اثار ظهور هذه الجهة رزمة تساؤلات حيال هويّتها، ما اذا كانت "سعوديّة معارضة"، او عراقيّة او حتى "جدّية" في بيانها الى ان كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" امس الخميس، انّ الهجوم الذي استهدف العاصمة السعودية يوم السبت الماضي، اسفر عن وقوع اضرار "في مجمّع ملكي مهمّ"، ولفتت الى هجوم اخر استهدف الرياض ايضا يوم الثلاثاء الفائت.. كما اشار مراسلو وكالة "فرانس برس" بدورهم الى وقوع الهجوم، واكّدوا انّ "انفجارا هزّ النوافذ في العاصمة السعودية".
بالتزامن، وفي غضون ايام قليلة، توصّل الجيش السوري الى تحديد المجموعة "الداعشيّة" التي نفّذت هجوم بادية الشولا ضدّ حافلة الجيش السوري، وإبادتها بالكامل، قبل ان يُعلَن امس الخميس من بغداد، الإجهاز على زعيم "داعش" في العراق بعمليّة استخباريّة نوعيّة غداة انهاء الحشد الشعبي بمعيّة القوّات الأمنيّة عمليّة " ثأر الشهداء" في محافظة صلاح الدين، واتّسمت بحجم الضربات القاسية التي دكّت اوكار فلول التنظيم، الذي كان يُعدّ لهجوم ارهابي كبير نسفه مقاتلو الحشد في مهده..
ليبدو واضحا انّ قرار منع عودة عقارب الساعة الى الوراء، حاسم لدى اركان محور المقاومة، وبالتالي وصلت الرسالة.. يكشف مصدر في وكالة "فرانس برس"-واستنادا الى تقارير وصفها ب"الدقيقة"، انّ "الوية الوعد الحق" تضمّ قادة اشدّاء اُنيط دورهم لمرحلة ما بعد سليماني، مرجّحا قُرب ظهور "نسخة" عن الأخير الى الواجهة، تماما كما حصل عندما ظهر سليماني الى الأضواء في ذروة مشروع الربيع العربي وصعود داعش في سورية والعراق.. ما يُعيدُنا الى ما كان مرّره امين مجمع تشخيص النظام في ايران محسن رضائي في 12 شباط-فبراير من العام الفائت، بقوله" لدينا عددا من القادة لم نكشف النّقاب عنهم حتى الآن، وستكمن المفاجأة بالكشف عن نماذج لسليماني لن يصدّق العالم انهم موجودون"!
المؤكّد انّ ظروف اليوم اختلفت جذريّا عما كانت عليه ابّان مرحلة ما سُمي حينها "الربيع العربي" وما تسبّب به هذا المشروع من تدمير للدول التي استهدفها، خصوصا عبر اهمّ ادواته "داعش" الذي نشأ وترعرع على ايدي الإستخبارات الأميركية ونظيراتها المعادية.. فالأزمات الخطرة التي خلّفها ترامب وراءه اكثر من ان تُحصى، خصوصا بعد "غزوة" الكونغرس من قِبل انصاره، وسط تزايد التحذيرات من تهديدات ارهابية "مُرتقبة" –حسبما جاء في نشرة وزارة الأمن الداخلي الأميركي اوّل امس الأربعاء، والتي نبّهت من "احتمال وقوع اعمال عنف من قِبل المتطرّفين الذين يعارضون الإنتقال الرئاسي"، وحذّرت من انها ستستمرّ في الأسابيع التالية لتنصيب بايدن"!
لعلّ الأخطر يكمن في المعطيات الجديدة التي خرجت من الكيان "الإسرائيلي" في الأيام الأخيرة، وتحدّثت عن وجود "تنظيم سرّي" من رحم "الترامبية"، يخطّط لاغتيال بايدن-وفق ما كشفت منذ يومين الدبلوماسيّة الإسرائيلية السابقة كوليت افيتال، مُبيّنة انها استندت في معلوماتها الى "مصادر موثوقة في الولايات المتحدة"، وأرفقت معطياتها بالتحذير من حجم المخاطر الداخلية التي تتربّص بالبلاد..
وعليه، هل يكتفي بايدن بالإبقاء على سياسة محاولات اسقاط الأنظمة المناهضة للولايات المتحدة من الداخل عبر دعم المعارضات فيها؟ ام يلجأ الى توريط بلاده في حرب خارجية لصرف الإنتباه عن ازماتها الداخلية الخطيرة التي خلّفها ترامب وراءه؟- حسب ترجيح الكاتب الروسي اندريه ساموخين، والذي ايّده في ترجيحه رئيس معهد الشرق الأوسط يفغيني ساتانوفسكي، في اعتبار انّ اللجوء الى العمليّات العسكرية الأميركية بعيدا عن الحدود تحتاجها الولايات المتحدة اكثر من ايّ وقت مضى.
رغم هذه التحليلات، تبقى فرضيّة مبادرة ادارة بايدن الى شنّ حرب ضدّ ايران مُستبعدة مهما بلغت ازماتها الداخلية، ربطا بخطورة هذه الخطوة، وكذلك فإنّ ايران لن تكون المبادرة اليها..-رغم انها تأخذ كل الإحتمالات في حسبانها.. ليبقى دور "اسرائيل"، والتي وُصفت استعراضاتها مؤخرا التي اتت على لسان رئيس اركان جيشها ب"السخيفة"، ووجهت بانتقادات حتى من داخل المؤسسات العسكرية، نظرا لأنّ اعلاء وتيرة تهديداته، كان موجّها الى الداخل بالدرجة الأولى، وصوب ادارة بايدن -من مغبّة العودة الى الإتفاق النووي مع ايران.. اكثر منه الى العدوّ!
لكن، رغم الإشارات التي مرّرتها ادارة بايدن والإيحاء بعزم التوجّه الى تغيير في السياسة الخارجية الأميركية، الا انّ المؤكد الذي لا يحتمل التأويل، انّ سياسة اميركا –بشقّيها الديموقراطي والجمهوريّ، هي ثابتة تجاه الدول التي تناهض سياستها، وتعادي اسرائيل.. فالإختلاف يكمن فقط في الأسلوب..
في المقابل، لا يجب اغفال استمرار "المعركة بين الحروب" بديلا عن المواجهة العسكرية المباشرة، مع العلم انّ احدا لا يضمن كيف تتطوّر ربطا بتأثير اللوبي الصهيوني في الداخل الأميركي، وسيّما انّ بايدن "زرع" رؤوسا يهوديّة بهذا الكمّ في مفاصل ادارته.. ثمّة من الخبراء والمحلّلين العسكريين الرّوس من يحذّر من "عمل اسرائيلي ما" في المنطقة "دون الإنزلاق الى حرب محتّمة"، وثمّة من ذهب الى ترجيح ان يكون الحدث الأبرز القادم في منطقة الخليج- وفق ما نُقل عن الصحافي البريطاني جوناثان كوك.