أن تاتي متأخرة أفضل بكثير من ألا تأتي. هي المعادلة الوحيدة التي يمكن الإنطلاق منها للتعاطي مع مسألة حساسة جداً في بلد منهار مالياً وإقتصادياً كالموازنة العامة. لماذا ننطلق من هذه المعادلة؟ لأنه وعلى رغم إحالة وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2021 الى رئاسة مجلس الوزراء، يبدو الا نية لدى الحكومة بالإجتماع لإقرارها وإحالتها على مجلس النواب وكأنها مسألة ترف تحتمل التأجيل، أو كأن الحكومة وبمكوناتها السياسية لا تدرك ماذا يعني إصرار المجتمع الدولي على إقرار موازنة كواحدة من أهم البنود الإصلاحية المطلوبة من لبنان لإنتظام المالية العامة.
كذلك يبدو ان الحكومة وبمكوناتها السياسية لا تقدر التداعيات السيئة للصرف على القاعدة الإثني عشرية البعيدة كل البعد عن منطق الإصلاح المالي، علماً ان إجتماعها لإقرار الموازنة هو أمر مسموح به دستورياً. وفي هذا السياق يقول خبير دستوري "تنص المادّة 64 من الدستور على أن الحكومة لا تمارس صلاحيّاتها عندما تكون حكومة تصريف أعمال، إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، وكل ما يرتبط بالأمور الملحّة والمهل"، موضحًا أنّ "واحدة من المهل الدستورية، هي وضع الموازنة العامة". واضاف "نحن أمام إجراء محدّد بمهل دستوريّة، وهذا يجعل حكومة تصريف الأعمال قادرة على الاجتماع واتخاذ قرار بإحالة الموازنة إلى مجلس النواب بحسب الأصول"، مشيرًا إلى أنّ "القاعدة الإثني عشرية استثناء ولا يجب أن تستمر".
من هنا رفع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان الصوت معتبراً أن عدم إجتماع الحكومة لإقرار الموازنة واحالتها على مجلس النواب يجعل مبدأ تصريف الأعمال من دون معنى وقيمة دستورية وقانونية.
وبالعودة الى المشروع الذي أحاله الوزير غازي وزني الى رئاسة مجلس الوزراء تكشف مصادر إطلعت عليه أنه يتضمن توصيات تدّعي إصلاحات عدة، أبرزها التدقيق الجنائي واصلاح قطاع الكهرباء عبر رفع التعرفة فقط على الفئات الثريّة من الشعب إضافة الى حلم اقرار قانون الكابيتال كونترول وإصلاح النظام التقاعدي في القطاع العام وموازاة القطاع العام بالخاص بموضوع نهاية الخدمة.
وفي لغة الأرقام تأتي هذه الموازنة قريبة جداً من أرقام موازنة العام 2020. ومن الفوارق الأساسية بين الموازنتين، ان موازنة العام 2021 تلحظ ومن ضمن النفقات المقدرة بحوالي 18 الف مليار ليرة، 200 مليار ليرة لمواجهة وباء كورونا، 150 مليار ليرة لمساعدة الأسر الأكثر فقراً، 100 مليار ليرة للتعويض على الأسر المتضررة من انفجار 4 اب و300 مليار ليرة لمساعدة المستشفيات.
كلفة خدمة الدين تراجعت في موازنة العام 2021 بنحو 1600 مليار ليرة بالمقارنة مع العام الماضي، لأن الحكومة الحالية قررت التوقف عن سداد ديون اليوروبوندز، أما بند الرواتب والاجور، فكلفته بقيت شبيهة بالعام الماضي.
مشروع الموازنة خصص سلفة خزينة لكهرباء لبنان بقيمة 1500 مليار ليرة، مقارنة مع سلفة مماثلة السنة الماضية وقد زعمت ان الإيرادات فيه بحوالب 14 ألف مليار ليرة أي بزيادة ألف مليار عن السنة الماضية.
بين الإيرادات والنفقات، يبقى العجز الإجمالي حوالي 6 آلاف مليار ليرة. ولكن يبقى الأهم أن أرقام هذه الموازنة ليست دقيقة أبداً لأنها لا تزال تعتمد سعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة للدولار الواحد بينما هو في السوق السوداء لامس تسعة آلاف ليرة.
إذاً نحن امام جنين إسمه مشروع موازنة 2021، ملامحه غير دقيقة بسبب أرقامه وأكذوبة السعر الرسمي للدولار، وولادته يبدو أنها ستكون مستحيلة بسبب الكباش السياسي القائم، وهل هناك من يسأل بعد لماذا لا يحصل لبنان على مساعدات دولية للخروج من الإنهيار الحاصل؟.