برزت مؤخّراً، بشكل لا لبس فيه، جيوسياسية جديدة للاقتصاد والحرب مستفيدة من تقدم الصين الاقتصادي والصعود العسكري الروسي من جهة، والتطور التكنولوجي العسكري للولايات المتحدة الأميركية ونفوذها الدولي من جهةٍ آخرى. يقابل ذلك وجود قوى اقليمية مؤثّرة، وكيان معادي متربص بغازنا وأرضنا ومائنا.
إنّ الوضع الأمني اللبناني، بجميع جوانبه خاضع للسياسة. خصوصاً أنّ نظام لبنان المبني على الطائفية يسهلّ التدخلات الخارجية بمكوناته. وبالتالي فإنّ الخدعات الأمنية تنمّ عن خطرٍ حقيقيّ، ألا وهو تدمير الاقتصاد والمنظومة المؤسساتية. وهذا لا يعني، عدم استخدام بعض الأوراق الداخلية، من أجل التأثير على الوضع العام سياسياً واقتصادياً. ويكون ذلك باستخدام مطالب محقّة للبنانيين يرزحون تحت وطأة الفقر والجوع. وخير دليل ما قاله رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري عن: "آن الاوان كي يتحمل الجميع مسؤولية انقاذ الشمال لانقاذ الوطن فهل نفعل؟ أم نبقى متفرجين على الحرائق تندلع من جهة الشمال حيث قلب الوطن "طرابلس... فإذا ما احترق القلب لن يبقى لبنان"...
إذاً فالقوى السياسية والشعب اللبناني تحتاج لسلاحي الصبر والقدرة لسلوك طريق الخلاص بأقلّ ضررٍ ممكن.
إنّ إستراتيجية إدارة الدولة اللبنانية، في ظلّ الرخاء الاقتصادي غير متاح، والحرب غير المحتملة، تفرض وجود حكومة قوية وأفرقاء سياسيين متعاونين، ومتنازلين في مواقفهم ليرسوا بلبنان الدولة على مرفأ الوحدة الوطنية والصعود من قاع التدهور الاقتصادي.
لذلك فإنّ أهم مناورة إستراتيجية لبقاء الاستقرار وديمومة الكيان اللبناني، هي الشجاعة في تأليف الحكومة، من أجل إدارة دولة، مواطنوها أموالهممحجوزة في المصارف، ومواطنوها يرزحون تحت وطأة أزمات اقتصادية ومعيشية وصحيّة لم يشهدها اللبنانييون سابقاً. نضف إلى ذلك أنّ الاستثمار الدولي للورقة اللبنانية هو إستثمار مرهق، لذلك فإنّ الحرب مستبعدة لثلاثة أسباب أساسية:
أوّلاً-الحصار الاقتصادي الذي أفقر اللبنانيين، قد يفتح أبواب الهجرة غير الشرعيّة بمئات الالاف من اللبنانيين والفلسطنيين والسوريين نحو أوروبا.
ثانياً-التوجه الشعبي العالمي لرفض الحروب في زمنٍ أتى بالويلات الصحّية والاقتصادية على مجمل شعوب الأرض...
ثالثاً-الخوف من خطر وجودي على لبنان يحذفه من الخارطة الجيوسياسية العالمية.
الحروب التي توالت على منطقتنا عاثت فساداً بشعوبنا وأراضينا، ودمّرت اقتصادياتنا. فمخطئ من يعتقد أنّ لبنان لم يدخل ربيع الحروب العربيّة، لبنان دخلها وخرج منها بأقلّ الخسائر، بسبب قوّة الجيش اللبناني والمقاومة في صدّ زحف نيران هذه الحروب عند أسوار لبنان الشرقية. حيث انتقلت وسائل الضغط الى الأوراق الاقتصادية والأمنية.
خلاصةً لما تقدّم، على اللبنانيين ترجمة وحدتهم بالدولة والجيش اللبناني والمقاومة بمواجهة العدو الإسرائيلي، لتكون هذه التأثيرات أقلّ ضرراً، وعلى الافرقاء السياسيين التعامل مع الدور الفرنسي بمصلحة وطنية، وليس مصلحة الغلبة، حتى ينقشع غبار الأوليات الدولية وخصوصاً أولويات الولايات المتحدة الأميركية.