جدّد الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسي الأَحد الماضي، تأكيد رفضه "أَيّ عملٍ أَو إِجراءٍ يمسّ بحُقوق مصر في مياه النّيل"، مُشدّدًا على "حتميّة بَلْورة اتّفاقٍ قانونيٍّ مُلزمٍ وشاملٍ بين كُلّ الأَفرقاء المعنيّين، يتناول الشّواغل المصريّة في شأن سدّ النّهضة" الإِثيوبيّ. وقد جاء ذلك خلال استقبال السّيسي، رئيس "مُفوّضيّة الاتّحاد الأَفريقيّ" موسى فقيه، في لقاءٍ عرض لمجموعةٍ مِن القضايا، وعلى رأسها "سدّ النّهضة"، في إِطار المُفاوضات الثُّلاثيّة تحت رعاية "الاتّحاد الأَفريقيّ". وقال النّاطق باسم الرّئاسة المصريّة بسّام راضي، إِنّ السّيسي "أَكّد مُجدّدًا ثوابت موقف مصر مِن حتميّة بلورة اتّفاقٍ قانونيٍّ مُلزمٍ وشاملٍ بين كُلّ الأَفرقاء المعنيّين، يتناول بالأَساس الشّواغل المصريّة، وبخاصّةٍ قواعد ملء سدّ النّهضة وتشغيله، مع رفض أَيّ عملٍ أَو إِجراءٍ يمسّ بحُقوق مصر في مياه النّيل".
وأَعرب رئيس "مُفوّضيّة الاتّحاد الأَفريقيّ" عن تقديره لجُهود مصر، في إِطار مسار المُفاوضات بهدف الوصول إِلى حلٍّ للقضيّة، مُؤَكّدًا أَهميّة استمرار التّنسيق المُكثّف، للعمل على حلحلة الموقف الرّاهن، والوصول إِلى اتّفاقٍ "عادلٍ ومُتوازنٍ" في شأن هذه القضيّة الحيويّة.
وما أَعلنه السّيسي، قد يُشكّل نقطةً في بحر الخِلافات الدّوليّة على المياه في العالم، وبخاصّةٍ في الشّرق الأَوسط وأَفريقيا، وقد أَتينا في مقالاتٍ سابقةٍ عبر موقع "النشرة"، على ذكر تفاصيلها وحلقات الدّول المُتنازعة على كُلٍّ مِن الأَنهار الإِقليميّة الشّرق أَوسطيّة والأَفريقيّة...
بَيْد أَنّ المسأَلة لا تقتصر البتّة على الخلافات بين الدُّول على تقاسُم المياه، بل إِنّ عوامل أُخرى تدخل على خطّ شدّ الحبال بين الدُّول المعنيّة، لتُغذّي مُجتمعةً إِمكان نُشوب حربٍ على المياه في أَيّ لحظةٍ!.
تأثير المناخ
ومِن العوامل المُرجّحة لاندلاع الحرب على المياه أَيضًا، التّغيُّرات الحاصلة على مُستوى المُناخ في العالم أَجمع. وفي هذا الإِطار، وبحسب "الإِدارة الوطنيّة الأَميركيّة للمُحيطات والغلاف الجويّ"، الّتي أَصدرت دراسةً اعتمدت على ثلاثة سجلّاتٍ مُنفصلةٍ لهُطول الأَمطار الشّهريّة خلال الأَعوام المئة السّابقة، فإِنّ ثمّة اتّجاهًا ملحوظًا نحو مُناخٍ أَكثر جفافًا في منطقة حوض البحر الأَبيض المُتوسّط. وبالتّالي، فإِنّ موجات الجفاف الأَكثر قساوةً في هذا القرن، كانت ضمن العقدَيْن الماضيَيْن في المنطقة. ويُؤَثّر ذلك في شكلٍ قويٍّ على الأَوضاع السّياسيّة والاجتماعيّة للدُّول، وبخاصّةٍ إِذا كانت هشّةً بسبب اضطراباتٍ تُعاني هذه الدُّول منها... كما هي الحال مثلًا في إثيوبيا، بانية "سدّ النّهضة".
مُعدّلات الهجرة
إِلى ذلك فإِنّ مسألة جفاف المياه، ترتبط بدَوْرها بازدياد نسبة الهجرة. وإِذا نظرنا إِلى ارتفاع مُعدّلات الهجرة العراقيّة مثلًا، مِن المناطق الجنوبيّة كـَ "ميسان" و"المثنى"، إِلى مدينة "البصرة"، حيثُ يعيش أَكثر من 75 في المئة مِن سُكّان العراق في المدن، بسبب جفاف المياه في الأَنهار وانهيار الزّراعة. بَيْد أَنّ ذلك لا يُبشِّر بالخير حُكمًا، حيثُ تخلق تلك الهجرة الكثيفة إِلى المدن عددًا مِن المُشكلات، لكَوْن المُدن غير مُجهَّزةٍ لاستيعاب الوافدين في أَعدادٍ كبيرةٍ إِليها. وإِذّاك ترتفع أَسعار السّكن وتزدحم المُدن بشدّةٍ، ما يُؤَدّي تاليًا إِلى ازدياد مُعدّلات الجريمة وتردّي الخدمات الاجتماعيّة كالصحّة والتّعليم...
آثارٌ اقتصاديّةٌ
كما ويُؤثّر الجفاف في الاقتصاد إِذ إِن مصر مثلًا، قد اشترت القمح في العام 2018 من منطقة البحر الأَسْوَد وأُوروبّا، بسعرٍ هو الأَعلى مُنذُ ثلاث سنوات (235.65 دولارًا للطنّ الواحد). وخلال العقدَيْن الماضيَيْن، تزايدت أَسعار الغلال بمُعدّلاتٍ كبيرةٍ، بسبب الجفاف الّذي يضرب المناطق الّتي تبيع الأَرُز، ما يُقلِّل الإِنتاجية فيزيد الطّلب ويرتفع السّعر. ومع ارتفاع الأَسعار يُرهَق الجمُهور ويُصبح هشًّا!.
الحرب السُّوريّة
لهذه الأَسباب يعتقد بعض الباحثين، أَنّ الاضطرابات الّتي حدثت في سوريا (الثّورة وما تلاها)، بدايةً مِن العام 2011، كانت ذات علاقةٍ بالجفاف الّذي سبق تلك الفترة، لنحو خمس سنواتٍ، وقد تسبّب في اضطراباتٍ اجتماعيّةٍ شديدةٍ وانتقالاتٍ سُكّانيّةٍ كبيرةٍ بين أَماكن عدّة... ومع تردّي الخدمات وهشاشة الحُكومات يتعاظم إِمكان نُشوء التّوتُّرات الدّاخليّة وتطوُّرها إِلى ما نراه اليوم في بعض الدّول.