نشرت في الآونة الاخيرة مشاريع أبحاث تابعة لمراكز دراسات مشهود لها بالعلم والمعرفة تبحث في سبل اعادة النهوض باوطاننا متجاهلة البحث في معضلة النهوض بالعروبة ككائن سياسي.
الدراسات تركزت على وضع توصية لافتة وهي التأكيد على مبدأ النهوض بالامة الاسلامية فقط وفي احسن الاحوال تذكر الامة العربية على حياء فتتحول الخاتمة للنهوض بالامتين العربية والاسلامية.
ان التفرقة بين العروبة والاسلام كمن يفرق بين العروبة والمسيحية التي بدورها انصهرت بالعروبة، وللتأكيد فان قول لما فيه مصلحة الامة الاسلامية يوجه العناية للمسلمين فقط و فيه تجن ونكران للاديان الاخرى المنضوية تحت لواء العروبة والمتأصلة فيها، واما القول ان فلسطين هي قضية اسلامية فالقول خاطئ لان فلسطين قضية عربية بامتياز وهي قضية تخص العروبة بكل اطيافها لان العروبة شاملة لكل الكائنات والاديان والاحزاب المنضوية تحت مظلتها.
هناك راي يقول ان الاسلام اشمل واوسع لانه يدغدغ مشاعر شعوب اسلامية في العالم، لكن الحقيقة التاريخية اثبتت ان تلك الشعوب الاسلامية البعيدة عن مناطقنا العربية والتي لا تنتمي للعروبة بقيت محافظة على خصوصيتها غير ابهة بقضايانا العربية ولو اخذت صبغة اسلامية، وهنا يتأكد لنا ان الانتماء للعروبة وإلى الهوية العربية تبقى المظلة الاشمل التي تقي شعبنا ومنطقتنا ويلات التفرقة والفتن.
ان معظم التنظيمات التي تنتمي إلى الاسلام السياسي طعنت العروبة من الخلف مفضلة التخلي عنها لقاء التزام تنفيذ اجندة التنظيم الاسلامي المنتمية اليه على حساب العروبة، كما حصل في سوريه ومصر وتونس وليبيا والعراق فتحولت العروبة من انتماء وعَلاقة الى عِلاقة فالعَلاقة "بفتح العين" تعني الالتزام عضوياً وهي عبارة عن انتماء خالص بعيداً عن المصالح،
اما العِلاقة "بكسر العين" فهي تعبير عن الجمع بين المصالح وارتكاب الموبقات بحق العروبة على حساب الهوية تماماً كما هو حال الدول العربية المتواطئة على العروبة وقدموها كشمّاعة للتطبيع مع العدو الاسرائيلي.
العروبيون القوميون لم يتواطئوا يوما على العروبة وهويتها، واثبتوا على مر التاريخ التزامهم بالعروبة الشاملة دون التخلي عن الاسلام، لكن يأخذ على القوميين انكفائهم عن تقديم دراسات وابحاث لتمتين العَلاقة بالعروبة وللنهوض بها وتقديمها ككائن سياسي شامل.
ان الحروب الوحشية التي تهدف إلى الوصول الى السلطة تخاض على ارضنا العربية باسم الاسلام السياسي وتحت مسميات براقة وتنظيمات اسلامية مختلفة تنكرت للعروبة واخذت من الاسلام اسمه فقط لتنفيذ اهداف ما ترسمه دوائر الشر في امريكا وبريطانيا، فعاثت في الارض فساداً وفتناً اسهمت بابعاد مفهوم العروبة عن المشهد السياسي لابراز الاسلام السياسي كهوية بديلة، ما اسهم في شرذمة الشعب ومكونات والمجتمع، لكن العروبة عابرة للاديان تتجاوز ما يربط الإنسان بالله هي في الأصل ارتباط الانسان بارضه وهويته.
الاسلام السياسي كفّر العروبة لان العروبة لا تحتكر الدين ولأن العروبة لا تعيش الا في الفضاء الرحب ولأن العروبة لا يمكنها الانحسار بدين معين دون سواه ولأن العروبة بحد ذاتها تتجاوز كل الاديان والانتماءات والوان البشرة، ولا تميز بين المناطق والحدود الجغرافية المصطنعة، ولأن العروبة هي الذات واللغة وملامح الوجه والارض والرمل والماء والسماء وهي الانتماء وهي الهوية و المظلة والملجأ.
الاسلام السياسي على تنوعه لا يعترف بالعروبة كانتماء وهوية وهناك بلدان اقليمية اسلامية اقترنت اسماء اوطانها بالاسلامية تجدها داعمة للحركات الاسلامية ولا تقيم وزناً للعروبة، تأخذ الدين الى السياسة فيما العروبيون يريدون عروبتهم كياناً جامعاً لكل من ينتمي إلى العروبة والى كل من يتواجد على الارض مع مساحات مستقلة عن الدين.
العروبة هي بحد ذاتها انتماء إلى وجود واعتراف بهذا الوجود باديانه السماوية، والعروبيون يريدون إنشاء أمة على أساس الوجود العربي لأن العروبة كانت قبل نزول الدين ولم تزل وستبقى الى آخر الزمان.
الناكرون للعروبة والمتآمرون عليها لن يجدوا طريقاً للنجاة الا بالاعتراف بالعروبة كهوية سياسية فكيف تكون العروبة دون هوية سياسية فيما الدين بمضمونه المقدس وقيمه الانسانية انشئ على اساس سياسي كعقد اجتماعي؟ فالعروبة تحترم الانسانية جمعاء وتهدف الى ارساء العدل والمسواة بين البشر فلا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى، والتقوى هي تقوى الله والاعتراف بالانسان ككائن بشري سياسي.
العروبة هي التعبير عن التجديد، فيما الإسلام السياسي استعمل الاسلام للفوز بالسلطة وللانقضاض على الدولة واتخذوا منه دستوراً لاوطانهم واساساً لحياة البشر على الرغم من وجود اختلاف في التفسير والاجتهاد بين اسلام وهابي واسلام اخواني واسلام قاعدي واسلام داعشي ومتفرعاته فصار المجتمع منغلقاً على نفسه يفتش عن اي اسلام ينتمي اليه، يدور في حلقة مفرغة وفي حال من الضياع وبتراجع مستمر بعد ان تمكنت اجهزة دول وقوى الاستعمار من جعل الاسلام كائنات وتنظيمات متناحرة لأن تلك الدول لا تريد ان يبقى من الاسلام سوى اسمه والقضاء على فكرة الانتماء الى العروبة.
العروبة تعني نبذ الانغلاق على الذات والانفتاح على جميع المكونات فيما الاسلام السياسي جعل الإنسان وعقله وتطوره محصوراً بالتزام تعاليم الدين على الأرض، الامر الذي كان سبباً في الحروب الأهلية جميعها تقريبا، فرضها الإسلاميون بسبب الصراع على السلطة وتبووء الزعامة المتماهية مع ابراز العقيدة بغض النظر عن الايمان، تلك العقيدة التي بقيت مكمن الاختلاف بين الاجتهاد وبين التفسير وبين الاعتراف بالآخر وبين الزام الاخر بالدين فيما الاسلام كان تلقائياً بين من اصابه الاختلاف، بيد ان وجوب الاعتراف بالانتماء إلى العروبة التي تشمل الاسلام واديانا اخرى كان ولم يزل ضرورة ملحّة لتجاوز حالة الضياع التي تنتاب مجتمعنا العربي و لازالة الالتباس والتباين والخلاف المسبب بحروب الفتنة الحاصلة فيه.
علمنا التاريخ ان الاسلام السياسي كما ظهر منذ ايام الخلافة والمبايعة هو اسلام ساع لتولي السلطة مفرط بمقومات الدولة التي تحفظ قيمة ورسالة الاسلام.
اما الانتماء الى العروبة والتمسك بهويتها وبمظلتها الحاضنة العابرة للاديان تبقى الاساس والملاذ الصحيح لبناء مؤسسات دولة تحترم رسالة الاسلام و الاديان المنضوية تحت مظلة العروبة
وعلى هذا المرتكز يمكن اعتماد دراسات وابحاث ناجعة ومفيدة تخطط للنهوض باوطاننا وبشعبنا العربي على اسس ارساء العدل واحترام الانسانية بكل اديانها و مكوناتها.