لم يكن العام 2020 عادياً على اللبنانيين، في ظل الإنهيار الحاصل على المستويين المالي والإقتصادي وإنتشار فيروس كورونا، لكن على ما يبدو العام 2021 لن يكون أقل صعوبة، خصوصاً أنه بدأ مع أطول فترة إقفال شهدته البلاد منذ تسجيل أول إصابة بالفيروس، بالإضافة إلى تفاقم باقي الأزمات التي كانت قد تفجرت في مدينة طرابلس، عبر الأحداث التي شهدتها عاصمة الشمال في الأيام الماضية.
وسط كل ذلك، قد يكون من الضروري السؤال عن واقع الصحة النفسية في لبنان، حيث يكون على المواطن التعامل مع هذا الكم الهائل من الأزمات بشكل يومي، في حين كلفة العلاج اليوم باتت باهظة الثمن بالنسبة إلى الغالبية، فبعد أن كانت كلفة الجلسة الواحدة بحدود 150 ألف ليرة لبنانية باتت اليوم نحو 300 ألف ليرة لبنانية وأكثر، أي أنها أصبحت من الرفاهيات بحسب ما تؤكد مديرة التواصل في جمعية إمبرايس هبة دندشلي لـ"النشرة".
التداعيات المترتبة على تفاقم هذه الأزمات تظهر من خلال الإرتفاع في عدد الإستشارات التي طلبت من الجمعية بين عامي 2019 و2020، حيث تشير إلى دندشلي إلى أن إمبرايس تلقت، في العام 2019، 3000 إتصال، بينما في العام 2020 تلقت 6100 اتصال، وتضيف: "لدينا قائمة انتظار طويلة جداً. الناس بحاجة للعلاج، ولا يمكنها تحمل تكاليفه، وهم يلجأون إلى الجمعية لأنّها توفر علاجا مجانيا بجودة عالية".
"كورونا" والصحة النفسية
في ظل حالة القلق الكبيرة التي تشعر بها الغالبية بسبب إنتشار فيروس كورونا حول العالم، لا سيما مع ظهور سلالة جديدة، يتم التركيز فقط على عدد الإصابات أو الوفيات التي تسجل، من دون الإلتفات بالشكل المطلوب إلى التداعيات النفسية الكبيرة والخطيرة. حيث تشير دندشلي إلى أن الناس يعانون حالة ثابتة من الخوف والقلق والإضطراب وبفقدان أحبائهم.
الأخطر من ذلك هو التداعيات التي تترتب على الحلّ الأسهل الذي تلجأ إليه معظم الدول في التعامل مع الأزمة، أيّ الإغلاق التام، حيث تشير مديرة التواصل في جمعية إمبرايس إلى أن "الإغلاق ممكن أن يكون له تأثيرات طويلة المدى على الصحّة النفسيّة وليس على المدى المنظور فقط، حيث أنهم يلاحظون بعد أشهر كيف يغيّر الإغلاق عاداتهم وحياتهم الإجتماعيّة وعلاقاتهم"، وتضيف: "بعد رفع الإغلاق العام، لا نتوقع أن يستأنف الأشخاص أنشطتهم التي اعتادوا عليها من قبل بشكل طبيعي، حيث سيظلون يواجهون أحياناً صعوبات في إعادة الاندماج في الحياة الاجتماعية، خاصةً بالنسبة للأشخاص الذين يعانون أساساً من حالات صحّية ونفسية موجودة مسبقاً".
ما تقدم، يرتبط بما تكشفه مصادر طبية، عبر "النشرة"، أن الكثير من المواطنين الذين يعانون من عوارض خطيرة، بعد إصابتهم بالكورونا، يكون سببها الأساسي هو العامل النفسي، نتيجة حالة الخوف التي تسيطر عليهم منذ ما قبل الإصابة، الأمر الذي من المفترض أن يتمّ التعامل معه بشكل جدّي، بدل التركيز على إثارة الرعب في نفوس المواطنين لدفعهم إلى البقاء في منازلهم، وتضيف: "تداعيات هذا الأمر خطيرة جداً ولا يمكن تجاهلها بأي شكل من الإشكال".
نصائح للتعامل مع الإغلاق
أمام هذا الواقع الصعب، هناك الكثير من الأمور التي من الممكن القيام بها لتجاوز التعامل مع الإغلاق أو الحد من التداعيات المترتبة عليه، حيث تشدد دندشلي على أن "كل الأزمات التي عانينا منها، تضعنا حتماً في مكان جاد، حيث تكون خدمات الصحة النفسية مهمة بشدّة"، وتضيف: "نشهد ارتفاع نسب الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، القلق واضطراب ما بعد الصدمة، كنتيجة لكل الأزمات (الاقتصادية، كوفيد 19، وانفجار بيروت).
وتلفت إلى وجود مجموعة من النصائح التي تستطيع أن تقدمها للتعامل مع الإغلاق في أوقات كورونا، منها: "التركيز لكبح الأمور التي تقع تحت سيطرتنا، التخفيف من التعرض للأخبار ووسائل الإعلام، تحدّي الحاجة إلى اليقين، التمارين الرياضية التي تعتبر علاجا طبيعيا وفعالا مضادا للقلق للتخلص من التوتر، إختيار أسلوب للإسترخاء مثل التأمل أو اليوغا أو تمارين التنفّس العميق، تناول الأطعمة الصحية والحصول على قسط كافٍ من النوم، البقاء على إتصال مع العائلة والأصدقاء، طلب المساعدة عند المعاناة من ضائقة عاطفية شديدة، الحفاظ على الروتين".
في المحصّلة، تفرض الأزمات المتوالية التي يعاني منها اللبنانيون الإلتفات إلى الصحّة النفسيّة، التي لا تقلّ خطورة عن إنتشار فيروس كورونا أو أيّ مرض آخر، الأمر الذي من المفترض أن يُعطى الأهمّية اللازمة من قبل المسؤولين والمواطنين.