تجزم إحدى الشخصيات السياسية التي انشغلت في الآونة الأخيرة على خط تبريد الأجواء بين قصر بعبدا - «بيت الوسط»، بأن كل المساعي والمقترحات التي حصلت قد ذهبت سدى، وأن الأفق السياسي ما زال على حاله من الاقفال التام بوجه ولادة الحكومة، وأما أصحاب المبادرات هم الآن في حيرة من أمرهم بعد أن استخدموا كل أنواع المفردات والصيغ والأفكار بغية إخراج عملية التأليف من النفق، وقد ذهب البعض من هؤلاء إلى حدّ القول أنه لم يعد بإمكان أحد في الداخل مهما كان حجمه ولونه السياسي ونفوذه قادراً على حل أحجية التأليف التي باتت عصية على الجميع، وهم يتطلعون الآن على بصيص ضوء علّه يأتي من الدولة الفرنسية التي لا تزال تعطي جانباً من اهتماماتها للوضع اللبناني، وقد برز ذلك من خلال الحراك ولو الخجول الذي قام به الرئيس ايمانويل ماكرون، إن من خلال اتصالاته مع الرئيس الأميركي جون بايدن أو مع الرئيس ميشال عون، وكان لافتاً كلامه من أن تأليف الحكومة في لبنان يأتي في المرتبة الثانية بعد الإصلاح.
ومهما يكن حجم الدور الفرنسي الذي أعيد تفعيله أميركياً بعد الاتصال الذي حصل بين البيت الأبيض وقصر الاليزيه، فإنه يبقى الأمل الوحيد في امكانية فتح كوة في الجدار الحكومي العالي، سيما وأن «حزب الله» الذي تدخل في الآونة الأخيرة لتقريب وجهات النظر بين الرئيس عون والحريري لم يخفِ أن مسعاه لم يتكلل بالنجاح لجهة محاولته جمع الرئيسين مجدداً.
ولم تستبعد مصادر سياسية عليمة أن يحرك الرئيس نبيه برّي عجلة مساعيه في وقت قريب لمحاولة أخيرة لتأمين ولادة الحكومة وإعادة الوضع السياسي إلى وضعه السليم، بعد الاشتباك العنيف الذي اندلع بين الرئيس عون والحريري وفريقهما السياسي.
وقد لفت نظر المراقبين لمسار التأليف الموقف الذي أعلنه رئيس المجلس والذي أضاء بشكل كبير على مكامن العقد التي تعترض عملية التأليف والمتمثلة بتمسك الفريق السياسي للرئيس عون بالثلث المعطل ورفضه لذلك، ورأى هؤلاء أن هذا الموقف لعين التينة والمدعوم من «بيت الوسط» ربما يؤدي إلى اندلاع سجال بين الرئاستين الأولى والثانية مع الأيام المقبلة، ما لم تنجح الاتصالات الجارية على أكثر من محور محلي وإقليمي لإعادة ترتيب العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بعد أن وصلت العلاقة بينهما في ضوء «الفيديو المسرب» من قصر بعبدا إلى حدّ إعلان الطلاق بالثلاثة لو لم تتدخل أكثر من جهة لاحتواء هذا الوضع والحؤول دون قطع شعرة معاوية بالكامل بين الطرفين.
وفي تقدير هؤلاء أن الفرنسيين يعملون على خط التهدئة، وتجري محاولات لإقناع الوزير السابق جبران باسيل بتخفيض سقف مطالبه التي على ما يبدو مرفوضة ليس من جانب الرئيس المكلف بل من قبل غالبية القوى السياسية في لبنان بمن فيهم «حزب الله» الذي لا يعلن ذلك جهاراً حفاظاً على العلاقة التي يريدها أن تبقى قائمة مع «التيار الوطني الحر».
ويعرب المراقبون لمسار التأليف عن أملهم في أن ينجح الرئيس ماكرون الذي أعاد الملف اللبناني إلى صلب اهتماماته بعد انكفاء لأسابيع بفعل اصابته بفيروس كورونا، وبفعل استياء الإليزيه من تعامل المسؤولين في لبنان بخفة مع عملية تشكيل الحكومة، في تذليل العقبات أمام التأليف، وهو يعمل أي ماكرون على تأمين لقاء مصالحة بين الرئيس عون والحريري قبل الإنطلاق في مسعاه الذي ربما يكون الأخير لإعادة ترتيب البيت الداخلي اللبناني والشروع في عملية الإصلاح التي يعتبرها الرئيس الفرنسي تتقدّم من حيث الأهمية على عملية تأليف الحكومة، إذ يعتبر ما نفع تأليف الحكومة، مع بقاء الفساد المستشري وهدر المال قائمين من دون معالجة.
ويؤكد هؤلاء أن المسعى الفرنسي الجديد شكّل بالنسبة للقوى السياسية في لبنان قارب إنقاذ بعد أن وصل الجميع الى الدرجة الأخيرة من السلّم، علّ هذا المسعى مترافقاً مع مساعي إقليمية أخرى حيث دخلت الإمارات على خط المعالجات ولو من بعيد أن يصل إلى الهدف المطلوب وهو تأليف الحكومة، بعد أن أقفلت كل الأبواب الداخلية بوجه هذا الاستحقاق.
وفي رأي هؤلاء أن موقف الرئيس برّي الذي عكسه في بيان صادر عنه أمس الأول، والذي جاء عقب المكالمة التي أجراها الرئيس ماكرون مع الرئيس عون اعطيا بصيص أمل في إمكانية إعادة تحريك المياه الحكومية التي ركدت لأسابيع والذهاب في إعادة خلط الأوراق والمطالب للوصول إلى توليفة حكومية خالية من أية فيتوات ورفع متاريس، مشددين في الوقت نفسه على أن الفراق الحاصل بين الرئيس عون والحريري لا يُمكن أن يستمر،وأن التدخل الفرنسي القوي هذه المرة، إن عبر التواصل المباشر للرئيس ماكرون مع المسؤولين في لبنان ومع بعض دول القرار، أو عبر الجولات التي تقوم بها السفيرة الفرنسية الجديدة، في لبنان، سيؤدي حكماً إلى التقاء الطرفين مجدداً، لأنه لا يُمكن تأليف أي حكومة مع بقاء الوضع القائم بينهما على ما هو عليه اليوم