تمّ كسرُ الجمود اللبناني في شأن تأليف الحكومة في اكثر من إتجاه. وأعيد طرح إستيلاد حكومة تكنوسياسية تشكّل مخرجاً لكل القوى السياسية، من دون أن تحصل لا على رفض كامل ولا على موافقة القوى المعنية، بعد كلام باريس عن حكومة غير كاملة المواصفات. لكن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لا يزال يتمسك حتى الآن بحكومة تكنوقراط من غير السياسيين.
تتحدّث المعلومات عن أن الطرح المذكور أطلّ ضمناً نتيجة الوصول إلى حائط مسدود، بعد تصلّب فريقي رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري بمواقفهما وتمسك الأول بحكومة من ٢٠ وزيراً والثاني من ١٨ وزيراً. وإذا كانت الطروحات تتوالى خلال مساعي الحل، فإن التصلب الداخلي بالشروط المتبادلة هو السبب بتعطيل عملية التأليف.
لكن لماذا إنتظار التدخل الخارجي؟.
يفيد مطّلعون الاّ افكار جديدة متوافرة في أي عاصمة خارجية بشأن حلّ الأزمة الحكومية اللبنانية: صحيح أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتدخّل مع اللبنانيين ساعياً إلى فرض تأليف حكومة، لكنه يرمي الكرة في ملعب السياسيين اللبنانيين. لا هو طرح فكرة محدّدة، ولن يكون في وارد تقديم أي مشروع تفصيلي له علاقة بشكل وتوازنات الحكومة اللبنانية. مما يعني ان الحل هو لبناني صرف.
اذا كان التدخل الخارجي يُثمر في بيروت، من خلال ممارسة ضغوط العواصم الإقليمية والدولية على كل القوى السياسية، فإنّ لا نيّة لتلك العواصم بأي تدخل وازن حتى الساعة، لا بل تفيد كل المقالات والكتابات الصادرة عن مراكز دراسات ودوائر القرار في عواصم العالم بأن لبنان لا يعني دول القرار: بات ملف لبنان عبئاً عليهم، ولا يوجد اي إكتراث به. لا يتعلق الأمر بسياساته، بل بسبب الفساد والأزمات المتلاحقة التي يعاني منها اللبنانيون.
لذا، لم تكترث الادارة الأميركية الجديدة بما يجري في لبنان، ولا هي ارسلت اي اشارة بأنها ستتدخل بهذا البلد.
يقول المطّلعون إنّ الفرنسيين أرادوا أن يحظوا بدعم غربي وعربي وإقليمي مُنتج في لبنان، لكنهم رصدوا قلة الإهتمام بلبنان: لو شاء السعوديون والأميركيون والإيرانيون والإماراتيون مثلاً أن يتدخلوا كما فعلوا ايام مؤتمر الدوحة، لكان أطلّ الحل بتقريب المسافات بين القوى اللبنانية. لكن تلك الدول غير معنية ولا تُظهر اي إهتمام: هل هي تريد ابقاء ملف لبنان ورقة على طاولة أي مفاوضات مقبلة؟ لا يوجد أجوبة واضحة. مما ينعكس جموداً لبنانياً نتيجة تمترس القوى السياسية الداخلية بشروط ومواقف تضعهم على الشجرة. لا يوجد هناك من يُنزل اللبنانيين من أعلى شجرة وضعوا انفسهم عليها وهم يترقبون حراكاً خارجياً فاعلاً ودسما.
تحرك الحريري بإتجاه مصر-تلك الدولة العربية الوازنة تحتل موقعاً متقدماً في حلف عربي. وإذا كانت القاهرة عبرت عن نواياها الإيجابية بشأن لبنان، لكنها لم تتقدم بأي خطوة، لأنها لا تملك وحدها تأثيراً على كل القوى الداخلية. قد تستخدم مصر علاقتها مع الرياض وابوظبي لدفع الحل اللبناني بمساندة المسعى الفرنسي، لكن ذلك لا يكفي من دون مواكبة إقليمية ودولية أوسع تستطيع توحيد الجهود لفرض الحل السياسي في لبنان. عندها، ستصبح الحكومة مجرد تفصيل. فهل نحن بإنتظار إيجابيات في الملفات الإقليمية؟.
يستعيد اللبنانيون محطات السين-سين، للقول: قد نكون بحاجة لتلك المعادلة الآن في السياسة والمؤازرة المالية المطلوبة. لم يحن الوقت بعد. غير ان ذلك لا يعني عدم تأليف حكومة. فإذا أراد اللبنانيون فعلوا لأن المشكلة بينهم وعندهم، أما التدخلات الخارجية فهي لدفعهم نحو إيجاد مخرج موجود اذا شاؤوا.