يعيش لبنان منذ ثلاثة أشهر ونصف حالة المراوحة في الملف الحكومي.
مبادرة فرنسية تعطّلت تحت مُسمّيات عدّة؛ ترافقت مع عقوبات أميركية على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس. إنّها رسالة أميركية مباشرة إلى ثلاث تيارات حليفة لحزب الله أشارت إلى مرحلة خطيرة للمستقبلالسياسي لجبران باسيل، وسليمان فرنجية والثنائية الشيعية السياسية وجناح حزب الله السياسي الذي تطلب الادارة الاميركية إقصاءهعن الحكومة. أو على الأقلّ، هكذا اعتقدت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
جميع الاقطاب السياسية تبحث عن الثلث المعطّل كورقة تين تغطّي بها عورة الخسارات السياسية التي مُنيت بها وفضحتها ثورة 17 تشرين الأول 2019 التي كشفت عمق انحلال الدولة وحقيقة انهيارها، كما هشاشة بعض الإنجازات الحزبيّة على مستوى الإقتصاد والإجتماع التي لطالما تغنّت بها عن غير حقّ مطلق، وذلك إرضاءً لجمهور هنا أو هناك.
الثلث المعطّل وكيفية استحواذه هما سبب المراوحة التي وصلنا اليها. ليس التعطيل اميركياً ولا فرنسياً ولا ايرانياً ولا سعودياً كما يدّعيكثيرون. إنّه بحت لبناني إثباتاً للحقّ الحكومي من فرقاء الداخل. ولكن، بيت القصيد في التدقيق الجنائي.
عاد التركيز على ملف التدقيق الجنائي مترافقاً مع عدائية حملات اعلامية متبادلة بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر.
وكأنه "الإبراء المستحيل" يعود ويلوح في فضاء السياسة ولكن، بعنوان جديد.
صحيح أن التدقيق الجنائي مسارٌ جديد على السياسة اللبنانية، وهو تحديث ضروري في إدارة الدول يُركن إليه دورياً حفاظاً على المالالعام وانتهاجاً للشفافية، والتزاماً بمكافحة الفساد وسعياً لاسترداد الأموال المنهوبة ولكن... ليس كما يفعل لبنان. التدقيق الجنائياستراتيجية مستدامة تبدأ بالتشريعات العديدة التي تتطلب تحديثات جمّة مرورا بهيكلة جديدة إدارية وقضائية وقرارات حكومية تضمن آليةمنتجة وصوناً للسيادة المحلية. هنا، تسود الفوضى بدءاً من فوضى العقول.
لم يعد خفياً أنّ هذا التصعيد بالتدقيق الجنائي، مع الأسلوب الركيك في الضخّ الإعلامي والتصاريح التي تلامس بعضها الدرك الأسفل مناسلوب التخاطب، يُرادُ به "تهديد" رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ليستجيب في تشكيل حكومة تمنح الثلث المعطل لمن يطلبه.
نعم، إنّ حكومات سعد الحريري السابقة وربما بعض المحيطين به من وزراء وغيرهم مسؤولون عن هدر في الماليّة العامة وهو يعرف هذه الحقيقة. ولكن، ليس مَن سبقَ شمّ الحبقَ. فهو يعرف ايضاً أنّ الآخرين مرتكبون والتهديد لن ينفع ومَن هو عرّاب التدقيقالجنائي هو أيضاً قاتله، ومنذ زمن.
الحقيقة لا تترك في هذا الوطن صاحباً إلًا العادل. وجميعهم يَظلمون ويُظلمون والعدالة سائبة.
فلا حكومة قريباً.
تشيرُ بعض المعلومات أنّ سعد الحريري سيُطلق خطاباً مفاجئاً في ذكرى استشهاد والده في 14 شباط يوضح فيه أسباب المراوحة. مفاجئاً من حيث الشكل والمضمون.
في الشكل معلومٌ أنّه يحبّ التغيير، أمّا في المضمون فسيعود إلى ثوابت واضحة أهمّها النقاط التالية:
أولا-لا تشكيل حكومة إلّا من مستقلّين فعليين لا مستشاري ظلّ.
ثانياً-لا ثلث معطّل لأي جهة بل العمل تحت راية الميثاقية.
ثالثاً-لا حكومة تعطيل بل حكومة عمل وإصلاح ضمن بيان وزاري يلتزم به الجميع.
رابعاً-لا استئثار حزبي بحقوق طائفية.
خامساً-عودة لبنان الى المجتمع الدولي لا سيّما العمق العربي.
سادساً-احترام حقّ رئيس الجمهورية بتسمية وزرائه وانتهاج مبدأ المداورة.
الواقع، سيعلن في ١٤ شباط أنّ لا حكومة قريباً. وسيدعو الى اجتماع موسّع مع كافة الأفرقاء بعد تعهده بتفعيل حركته مع جهّات الداخلوالخارج.
يسعى الحريري إلى حمل المبادرة الفرنسية على عاتقه كممثل فعلي لمضمونها في لبنان فاتحاً ابوابه للقاءات مصارحة ومصالحة.
فهَل من سيستجيب؟.
حتى الساعة، لا أحد. في الماضي، كان لبنان ورقة الضغط الاقليمية وما زال. حجر داما بأيدي قوى كبرى. واليوم دور جديد للبنان يلعبه بعدالعقوبات الاميركية، فهو ورقة ضغط داخلية بوجه الخارج. حجر يلعب وحده. نعطّل هنا لنكسب هناك. والخاسرون كثر واوّلهم لبنان. أمّاالسبيل إلى النجاة، فعهد جديد من الحبّ.