في ظلّ العديد من الأسئلة التي تُطرح حول مشروع موازنة العام 2021، تبرز المادة 95 التي تشير إلى منح كل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان إقامة طيلة مدّة ملكيته، له ولزوجته وأولاده القاصرين، على ألاّ تقل قيمة الوحدة السكنية عن 350 ألف دولار أميركي للوحدة السكنية ضمن محافظة بيروت و200 ألف دولار لتلك القائمة في سائر المحافظات الأخرى.
بالتزامن، تضع تلك المادة شروطاً أخرى منها أن يتمّ تسديد ثمن الوحدة السكنية بموجب تحويل مصرفي من أحد المصارف العاملة خارج لبنان إلى أحد المصارف العاملة في لبنان، على أن يستثنى من أحكام هذه المادة النازحون السوريون واللاجئون الفلسطينيون تأكيداً على ضرورة توفير شروط العودة إلى أوطانهم.
في البداية، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تُطرح فيها مثل هذه المادّة، حيث تمّ وضع شبيهة لها في موازنة العام 2018، إلا أنّ المجلس الدستوري أبطلها بعد الطعن بها بسبب البلبلة التي أثيرت حولها لناحية المخاوف من أن تكون بوابة نحو التوطين، الأمر الذي تم تفاديه من خلال الإستثناءات التي تنص عليها في موازنة العام 2021.
الهدف الأساسي من هذه المادة، بحسب ما ترى هذه المصادر، هو تشجيع الإستثمارات في السوق العقاري تحديداً، عبر دفع من يرغب، من أصحاب الأموال، بالحصول على إقامة في لبنان على شراء عقار فيه، الأمر الذي يقود إلى إدخال كميات من العملات الأجنبية إلى البلاد هو بأمس الحاجة إليها في الوقت الراهن، لكنها تشير إلى أنّ الأزمة في مكان آخر، تبدأ من صعوبة تقدير حجم الأموال التي من الممكن أن تدخل إلى لبنان من جراء هذه الخطوة.
بالإضافة إلى ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ هذه المادة تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول من يمكن أن يفكر في الإستفادة منها، نظراً إلى أنّ العديد من الدول المجاورة، كقبرص واليونان وتركيا، تقدم خدمات شبيهة، أيّ أنّ أصحاب رؤوس الأموال لديهم الكثير من الخيارات البديلة التي تفوق ما يمكن أن يقدّمه لبنان من حيث الإمتيازات، خصوصاً على المستويات الإقتصاديّة والأمنيّة، في ظلّ الأوضاع المعروفة داخليّا.
من وجهة نظر المصادر المطلعة، هذا الواقع يدفع للتأكيد بأن طرح مثل هذه المادّة كان من المفترض أن يكون جزءاً من تصور عام لمستقبل البلاد، لا أن يكون خطوة عشوائيّة من ضمن سلسلة من الخطوات قد يكون لها تداعيات خطيرة، لناحية هويّة الأشخاص الذي من الممكن أن يفكّروا بالإستفادة منها للإنتقال إلى الإقامة، إلا إذا كان الرهان على أن يكون الإستفادة منها بعد سنوات طويلة، حيث من الممكن أن تكون نقطة مهمة في سياق المرحلة الإنقاذية.
بالنسبة إلى تلك المصادر، السؤال الأساسي، في حال نجحت هذه المادة في تحقيق المرجوّ منها، يكمن في ما إذا كان الحلّ للواقع الإقتصادي والمالي القائم هو في تملّك الأجانب من خلال بيع البلد، أو بالتفكير في كيفية تشجيع اللبنانيين على البقاء في بلدهم، في ظلّ التزايد المرعب بأعداد الراغبين في الهجرة نحو بلاد أخرى في العامين الماضيين، نتيجة التدهور الذي تتحمل مسؤوليته الطبقة السياسية برمّتها.
من وجهة نظر الخبير المالي والإقتصادي وليد أبو سليمان، الفكرة من الناحية النظريّة جذّابة لكن بظل الأوضاع القائمة يعرب عن خشيته من ألاّ يكون هناك إقبالاً عليها. وبالتالي هو، من حيث المبدأ، لا يرى إيجابيّات أو مخاطر لها، نظراً إلى أنها تتطلّب إستقراراً غير متوفر من كافة النواحي.
ويعتبر أبو سليمان، في حديث لـ"النشرة"، أنّه في ظل غياب الرؤية الإقتصادية فإن الحكومة مضطرة إلى التفكير في جميع الحلول التي من الممكن أن تدخل الأموال إلى البلاد، إلا أنه لا ينفي المخاوف من أن تكون بوّابة لما يعرف بالأموال المشبوهة، الأمر الذي يفرض تحدياً كبيراً خصوصاً أن النظام المصرفي اللبناني يعيش شبه عزلة، وبالتالي لا يحتاج لبنان لأن يكون عرضة للمزيد من العقوبات الخارجية.
في المحصّلة، المادة 95 من مشروع موازنة العام 2021 تمثل نموذجاً بسيطاً عن العشوائيّة وغياب الرؤية في التعامل مع الأزمة، حيث البحث عن الحلول البسيطة التي قد لا تكون مفيدة بسبب الظروف الراهنة، بدل البحث عما هو مفيد ومنتج ضمن رؤية شاملة محددة الأهداف.