تصاعدت، مع بداية العام الحالي، التصريحات والمواقف الاسرائيلية التي تهدّد بضرب ايران، وكان آخرها ما صدر عن وزير الاستيطان تساحي هانغبي والذي دعا الى الاستقلالية عن الموقف الاميركي في هذا المجال، واستهداف المنشأت النووية الايرانية. في المقابل، تتوعد ايران برد مزلزل اذا ما تم استهدافها عسكرياً، وبتوجيه ضربات قاسية الى الاميركيين والاسرائيليين على حدّ سواء. ولكن، على ما يبدو، لا يأخذ الاسرائيليون في الاعتبار التهديدات الايرانيّة، خصوصاً وانّ التجارب السابقة اثبتت صحة توقّعاتهم، ولعل اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني خير دليل على ذلك، حيث اقتصر الامر على استهداف بعض القواعد الاميركيّة في ردّ بقي اقل بكثير مما كان متوقعاً بعد اغتيال شخصية بحجم سليماني.
من هنا، يجب مراقبة المعطيات الاخرى التي تأخذها اسرائيل في الاعتبار، والتيتشير حتى الآن الى ان امكان توجيهها ضربة عسكرية يبقى في اطار الكلام، وهناك عقبات كثيرة تحول دون تحويله الى واقع ملموس، منها ما هو دبلوماسي ومنها ما هو عملي.
فعلى الصعيد العملي اولاً، هناك عقبات لا تعد ولا تحصى لكي تقوم الطائرات الاسرائيلية بالاغارة على منشآت نوويّة ايرانيّة، ان لجهة المسافة او لجهة مواجهة المضادات الارضية واجهزة الدفاع الجوي المتطورة التي باتت في متناول ايران. ولا بد من الاشارة الى ان تطبيع العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول الخليجيّة لن يعني بمطلق الاحوال سماح هذه الدول استعمال مجالها الجوي لضرب ايران، لان التداعيات ستكون كبيرة جداً عليها، وهو امر لا تزال الدول العربيّة في غنى عنه رغم رغبتها في تقليص نفوذ وقوة طهران في الخليج. وعلى صعيد آخر، ستكون اسرائيل في حال تأهّب قصوى 24 ساعة خوفاً من ان يكون الردّ الايراني عبر عمليّات تستهدف المصالح والجاليات الاسرائيليّة في الخارج، اياً كانت الدول المستهدفة، وهو امر سيشكل قلقاً حقيقياً ليس فقط لاسرائيل، بل لكلّ من يتعاون ويتحالف معها من الدول.
هذا من الناحية العمليّة وبشكل مبسّط، اما من الناحية الدبلوماسيّة فالمسألة اكثرتعقيداً من ذلك. مما لا شك فيه انّ اسرائيل لم تتجرأ سابقاً في التفرّد بأيّ قرار عسكري من دون موافقة الولايات المتحدة الاميركيّة، فكم بالحرّي اليوم بعد استلام الادارة الجديدة مهامها وارسالها رسائل واضحة باعتمادها المفاوضات والحوار كسبيل للتعاطي مع ايران؟ لن تخاطر اسرائيل باحراج الرئيس الاميركي جو بايدن ولا ادارته بشنّها عمليّة عسكريّة سترتد عليه سلباً وستظهره بمظهر الضعيف والمحرج امام الاميركيين من جهة، وامام العالم من جهة اخرى. ومن المعلوم ان اسرائيل ستحتاج، اذا ما ارادت بالفعل توجيه ضربة عسكريّة من خارج ايران، الى الاستعانة بالاميركيين لتأمين كل ما يلزم من معدات ومساعدة (منها على سبيل المثال لا الحصر الوقود للطائرات في الجو)، فكيف ستتدبّر امرها اذا ما استقلت بالفعل، ليس فقط من الناحية العسكرية بل ايضاً من الناحية السياسية والمالية وغيرها...
ومن الناحية الدبلوماسيّة، من سيقف الى جانب اسرائيل في هذه الخطوة من الدول اكانت صديقة ام عدوّة؟ ليس هناك من مجال امام اي دولة للموافقة على هذا الامر، ولن تحصل بالتأكيد على موافقة من الامم المتحدة، وستكون مهدّدة اوروبيّا ودولياً بفعل الضربة العسكرية، لانها تشكّل احراجاً ايضاً للاوروبيين الذين دخلوا على خط المفاوضات بقوة لاثبات انفسهم واعادة نسج العلاقات مع اميركا لاقتسام النفوذ كما كان سابقاً بعد ان عدّلت به ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب بشكل دراماتيكي.
ازاء كل ذلك، سيكون من شبه المستحيل تنفيذ اسرائيل لتهديداتها، لان الوضع الداخلي لا يحتمل ايضاً اتخاذ مثل هذه الخطوة التي تهدد مصير السياسيين في ظل وضع اقتصادي صعب.، وستبقى الضربات العسكرية ضد ايران من باب التهويل وليس التنفيذ.