إنتهاك طائرات الإستطلاع والمُسيّرات الإسرائيليّة السيادة اللبنانيّة ليس بالأمر الجديد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مُحاولات إسقاطها من قبل عناصر "حزب الله". لكن خلال الأيّام القليلة الماضية، شهدت سماء لبنان أكثر من خرق، وأكثر من مُحاولة من الحزب للردّ، بشكل أوحى بأنّ معركة الطائرات المُسيّرة بين إسرائيل و"حزب الله" قد إشتدّت. فهل يُمكن أن يقود هذا الأمر إلى مُواجهة عسكريّة كبرى؟.
بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّ "حزب الله" نجح في السابق في إسقاط العديد من المُسيّرات الإسرائيليّة، ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، ما حصل في 23 آب ومن ثم في 23 أيلول الماضيين، وُصولاً إلى يوم الإثنين الماضي عندما جرى إسقاط مُسيّرة صغيرة صينيّة الصنع من نوع "مافيك"، جنوب بلدة عيتا الشعب. وحتى ما حصل يوم الأربعاء الماضي، لجهة إستخدام صاروخ أرض-جوّ ضُدّ الطيران الإسرائيلي المعادي ليس بجديد أيضًا، حيث أنّ السيناريو نفسه كان حصل سابقًا، ومن الأمثلة الحديثة إطلاق صاروخباتجاه مُسيّرة إسرائيليّة في 31 تشرين الأوّل الماضي، وقد قالت إسرائيل في حينه إنّ الصاروخ لم يُصب الطائرة وانفجر في الجوّ، وهو ما تكرّر مُنتصف هذا الأسبوع. لكنّ هذه المُواجهات لن تقود إلى معركة كبرى بين إسرائيل و"الحزب"،مع التذكير أنّ التصعيد الأخطر الذي كان قد حصل في 25 آب من العام 2019، لجهة تنفيذ إسرائيل أنشطة أمنيّة عدائيّة في الضاحية، وسقوط مُسيّرة هناك وإنفجار مُسيّرة أخرى، لم يقد في حينه إلى مُواجهة عسكريّة مَفتوحة.
وبالتالي، إنّ هذه الإحتكاكات تندرج في إطار المُناوشات المَفتوحة بين الطرفين، وفي سياق التحضيرات والإستعدادات العسكريّة المُتبادلة. فمن الجانب الإسرائيلي، تكاد المُسيّرات الصغيرة الحجم لا تخلي الجوّ، خاصة على طول جوانب الخط الأزرق، لكشف أي مُحاولات تسلّل، وفوق القرى الحدوديّة في محاولة لتحديد التحصينات والأنشطة الأمنيّة التي يقوم بها "حزب الله"، وكذلك فوق مناطق مُختلفة في العمق اللبناني، في مُحاولة لكشف عمليّات تهريب الأسلحة والصواريخ ولتحديد أماكن تخزينها، إلخ.
في المُقابل، إنّ ما يُحاول "حزب الله" القيام به من خلال التصدّي للمُسيّرات الإسرائيليّة، عندما تسنح له الفرصة، وكذلك من خلال إرسال مُسيّرات لما بعد الحدود الجنوبيّة ومُحاولة التحليق فوق المواقع الإسرائيليّة لتصويرها(1)، هو تثبيت نوع من التوازن مع الإسرائيليّين على صعيد معركة المُسيّرات، وبهدف عدم ترك هذه الخروقات المُتكرّرة للسيادة اللبنانيّة تمرّ مُرور الكرام، خاصة وأنّ وقاحة الجيش الإسرائيلي بلغت درجة وصف هذه الخروقات في بياناته، بما أسماه "النشاط العمليّاتي الإعتيادي(...)"!.
لكن في كل الأحوال إنّ المُسيّرات التي يتمّ إسقاطها هي من الفئات الصغيرة جدًا، والتي تشبه من حيث الشكل تلك التي تُباع لهواة هذا النوع من ألعاب الترفيه الإلكترونيّة، علمًا أنّها تستفيد من كاميرات تصوير أكثر دقّة من تلك المدنيّة، ومن قدرات تحليق أعلى وأبعد قليلاً. لكن حتى تاريخه لم يتمّ إسقاط أيّ طائرة إسرائيليّة من دون طيّار من الحجم الكبير، أي تلك التي تُستخدم في العمليّات الحربيّة المهمّة، وفي عمليّات الإغتيال والإستهداف الأمني، بحيث يُمكن القول إنّ الخطوط الحمراء لم تُكسَر بعد. إشارة إلى أنّ إسرائيل هي من بين أكبر مُنتجي ومُصدّري الطائرات من دون طيّار على مُستوى العالم(2)، وهي تنتج نوعين بارزين من الطائرات الكبيرة من دون طيّار، إحداها بإسم "إيتان" وتستفيد من مدى يبلغ 26 مترًا ما بين طرفي جناحيها، والأخرى بإسم "هرمس 450" القادرة على حمل صواريخ ثقيلة مُوجّهة.
أكثر من ذلك، يُمكن القول إنّ المُناوشات والإحتكاكات والعمليّات المُتبادلة لتسجيل النقاط، تتمّ في سماء لبنان، بينما المعركة الفعليّة تجري فوق الأراضي السوريّة، حيث أنّ القصف الصاروخي الإسرائيلي من فوق لبنان في أغلبيّة المرّات، ومن فوق الجولان المُحتلّ في بعض المرّات، لأهداف عسكريّة ولوجستيّة في العمق السُوري، صار دوريًا، من دون أي رادع على الإطلاق! وآخر هذه الإعتداءات ما حصل ليل الأربعاء الخميس من إستهداف لمواقع عسكريّة في جنوب القنيطرة. وبالتالي-حتى إشعار آخر، إنّ المعركة الفعليّة بين إسرائيل والمحور المُموّل والمُسلّح من جانب إيران، ستبقى قائمة حاليًا في الأراضي السوريّة، حيث أنّ معركة لبنان مُؤجّلة إلى مرحلة لاحقة، ولا بوادر حتى اليوم بأنّها باتت قريبة!.
ناجي س. البستاني