جاءت جريمة اغتيال الناشط لقمان سليم في الأيام القليلة الفائتة، وقبلها الحوادث الأمنية في طرابلس الأسبوع الفائت، وقبلها أيضاً كارثة تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب المنصرم، أشبه "بجرائم غب الطلب"، تستخدمها جهاتٍ لبنانيةٍ، في محاولةٍ لاستعادة مشهد العام 2005، تحديداً المرحلة التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، من خلال إتهام حزب الله باقتراف كل هذه الجرائم. ويبدو أن جريمة قتل سليم، وقبلها حوادث طرابلس، شكلا لدى الجهات المذكورة مبعث أملٍ جديدٍ، في إعادة الحياة، لمخطط وزيرالخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو، بعد رحيل إدارته، والرامي إلى إحداث فراغٍ سياسيٍ، وانهياراتٍ ماليةٍ واقتصاديةٍ وأمنيةٍ في لبنان، علّ ذلك أن يمّهد، لتدخلٍ عسكريٍ إسرائيليٍ فيه، عندما تسنح الفرصة . وفي هذا السياق، تأتي حركة المسيّرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية في الآونة الأخيرة، التي ترصد مختلف التحركات على الأرض، بحسب رأي مرجعٍ قريبٍ من فريق المقاومة.
واحتراماً لحرمة الموت، ومشاعر ذوي المغدور، والتزماً بمبدأ الحفاظ على سرّية التحقيقات القضائية، يرفض المرجع الدخول في تفاصيل الجريمة، خصوصاً لجهتي تحديد المرتكبين، والوقائع المادية لها. ويؤكد أن انتقاء المغدور سليم، من بين الناشطين المناوئين للمقاومة، وقتلته في هذا الظرف بالتحديد، أي ما بين مرحلة رحيل إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتسلم إدارة الرئيس جو بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، المتجهة راهناً إلى العودة إلى الإتفاق النووي مع إيران، ووقف الحرب السعودية – الإماراتية على اليمن، وإحالة جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي إلى الكونغرس، قد تخدم نتائج جريمة قتل سليم من الناحية السياسية، مصلحة بعض الجهات الداخلية والإقليمية المتضررة من هذه الأجواء التسووية، فاندفعت هذه الجهات بدورها، إلى إعادة توتير الأجواء في البلد عموماً (نذكر منها حوادث طرابلس الأخيرة)، في محاولةٍ لتعزيز حضورها في تسوية مرتقبة في المنطقة، قد تشمل لبنان.
أما في شأن استهداف سليم في شكلٍ خاصٍ، فهي محاولة ترمي إلى استفزار واشنطن، لما لسليم من ارتباطات وثيقة مع الأميركيين، خصوصاً لجهة دوره، في مجال الإشراف على أعمال بعض المنظمات غير الحكومية ((NGOS)) في البلد، وبالتالي استغلال جريمة قتله، لتحريض الأميركيين على لبنان والمقاومة، على اعتبار أن الجريمة وقعت في الجنوب، إحدى مناطق انتشار حزب الله، ودائماً بحسب المرجع. الذي يسأل : "لو كان هذا المعيار دقيقاً، هل يصح اتهام "القوات اللبنانية" بجريمة اغتيال الوزير بيار أمين الجميّل في العام 2006، كونها وقعت في جديدة المتن، إحدى مناطق انتشار القوات؟".
ويلفت المرجع إلى أن تلك الجهات الخائبة المذكورة آنفاً على حد تعبيره، حاولت مجدداً إستثمار جريمة قتل سليم، في إستثارة الشارع في وجه المقاومة وحلفائها وفي طليعتهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر، بالتالي العودة إلى تكرار تجربة العام 2005، ومحاولة تهشيم رئاسة الجمهورية، ومحاصرة الرئيس، ثم فرض حكومة تطالب بنزع سلاح المقاومة، وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة، من خلال الإتكاء على تدخلٍ أميركيٍ مفترض، عقب مسلسل تحريضها الراهن والمستدام على المقاومة وحلفائها، ولكن كالعادة خاب حقدها، يختم المرجع.
وتعقيباً على ما ورد آنفاً، تسأل مصادر ميدانية جنوبية، مادامت منطقة وقوع الجريمة المذكورة في قبضة حزب الله، كما تدّعي بعض الأطراف، فلماذا لم يخف الحزب، المغدور سليم عن الأنظار، وبذلك يبقى سر مصيره معلقاً بين الموت والحياة، خصوصاً أن لدى الحزب جهاز عسكري وأمني، أذهل العدو الإسرائيلي؟ وتسأل أيضاً باستغراب : "حدا بجيب الدب على كرمو؟".
وتلفت المصادر الى ضرورة التمحص بدقة، في توقيت الجريمة، أي في هذه المرحلة الإنتقالية بين رحيل إدارة أميركية وتسلم أخرى، وتغيير الأولويات لدى الإدارة الجديدة، كذلك فشل ما يسمى "بالثورة" المدعومة من الـ (NGOS) في إختراق الشارع الشيعي، وتأليبه على المقاومة، من خلال إستغلال الضائقة المعيشية، ومحاولة تحميل حزب الله وحلفائه، المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع الراهنة. وتأمل في كشف حقيقة مرتكبي هذه الجريمة في أسرع وقت، وتجاوب جميع المعنيين مع السلطتين القضائية والأمنية، وتزويدهما بكل المعلومات اللازمة.
وفي السياق عينه، يجزم مرجع في فريق الثامن من آذار بفشل مساعي الجهات التي تحاول العودة بلبنان الى "حقبة 2005"، لسبب أساسي، من دون الغوص في تفاصيل اخرى، وهو أن العام 2005، كان بداية إنطلاق شرارة ما يسمى بـ "الربيع العربي"، والحرب على محور المقاومة، أما اليوم فقد شارفت نهايتها، بدليل توجه الإدارة الأميركية الى إعادة تفعيل الإتفاق النووي الإيراني ووقف الحرب على اليمن. وهنا يسأل المرجع : "أمام هذه المستجدات، هل حزب الله، هو الطرف المأزوم كي يقدم على تنفيذ جريمة إغتيال من هذا النوع في منطقة نفوذه؟" ويختم بالقول : ماحدا بخرّب عرسو".
وفي السياق عينه، يؤكد مرجع عسكري جنوبي أن عملية إغتيال المغدور سليم، هي عملية إرهابية نكراء وفاشلة، لم تحقق أهداف مقترفيها، رافضاً الدخول في أي تفاصيل.
في المحصلة، بكل وضوحٍ، لاريب أن هناك فريقاً في لبنان، إمتزجت لديه الأحقاد والأوهام والتآمر على البلد، ولم يستفق حتى الساعة من أضغاث أحلامه، التي تراوده منذ "حقبة 2005"، وما قبلها. فقد راهن على توظيف إرهاصات إغتيال الحريري، في مشاريعٍ فتنويةٍ بكل ما للكلمة من معنى، تدغدغ أحقاده الدفينة. وذلك من خلال توجيه أصابع الإتهام الى حزب الله وحلفائه الرئيس العماد إميل لحود وفريقه، والقيادة السورية، التي راهن الفريق الموهوم، على سقوطها مراراً، ولكن كالعادة خاب رهانه. ولم يفلح في إثارة فتنة (سنية – شيعية ) و (سنية- علوية) في لبنان والمنطقة، كما تراءى للفريق عينه في غفلةٍ من الزمن. وما يثير السخرية، أن أركان هذا الفريق، تعهد منذ العام 2012 بحلق شاربه مباشرة على الهواء، "إذا لم يسقط الرئيس بشار الأسد"، فلم يبرّ بوعده حتى اليوم. وهنالك أيضاً أحد أركان هذا الفريق برتبه "منقذ" راهناً، قال حرفياً : "سياتي يوم وأعود به من مطار دمشق والاسد غير موجود" .. "وبعدو ناطر"، غير أن هذا الركن لم يحدد الى متى سيدوم إنتظاره. وكما في الحقبة المذكورة كذلك اليوم، اثبتت التجارب أن هذا الفريق لم يستطع الخروج من أحقاده، و الكف عن إثارة الفتن، والتخلي عن المراهنات الفاشلة.