شكّل اغتيال الناشط لقمان سليم، مثاراً لردود فعل عديدة، حيث لوحظ أنه وفور حدوث الجريمة أقدمت قوى وبعض مجموعات ما يسمّى المجتمع المدني «الأنجيؤز» وشخصيات من النخبة، على شنّ حملة ممنهجة تتهم حزب الله بالوقوف وراء ارتكاب عملية الاغتيال، حتى أنّ هذا الاتهام لم ينتظر ايّ تحقيق من الجهات الأمنية والقضائية، فصدر الحكم المسبق، بما يذكر بالحكم السياسي المسبق الذي اتهم حزب الله وسورية وقوى وشخصيات وطنية، بالوقوف وراء تنفيذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعد دقائق معدودة على حدوثها…
على ماذا يدلل ذلك، ولماذا المسارعة فوراً إلى اتهام حزب الله، واختيار هذا التوقيت بالذات؟
وما هو المطلوب في مواجهة هذا الاتهام المشبوه بأهدافه وغاياته؟
أولاً، إنّ المسارعة فور إعلان نبأ الاغتيال، الى توجيه الاتهام إلى حزب الله، يجعل ايّ مراقب محايد يرسم علامات استفهام كبرى، ويتساءل بشأن ما إذا كانت الجريمة نفذت بتدبير من جهات مشبوهة، لإدراك هذه الجهات ومعرفتها المسبقة أنّ أصابع الاتهام ستوجه إلى حزب الله، انطلاقاً من انّ لقمان اغتيل في منطقة يحظى فيها حزب الله بنفوذ شعبي كبير، وانّ لقمان معروف في معارضته الشرسة لحزب الله ومقاومته ضدّ الاحتلال، الأمر الذي يحقق لهذه الجهات هدفها الذي تسعى إليه، وهو الصادق التهمة بحزب الله، والتحريض عليه، ومحاولة النيل من دوره الوطني المقاوم، والقول بأنه تحوّل، حسب زعمها، من حزب مقاوم للعدو الصهيوني، إلى سلطة «قمع وهيمنة وإقصاء وإرهاب» لكلّ من ينتقده ويعارض رأيه ويقف ضدّ سياسته…
ثانياً، انّ اختيار توقيت عملية الاغتيال يبدو انه تمّ في محاولة لإخراج قوى ومجموعات «الأنجيؤز» من مأزقها، التي باتت فيه، على خلفية فشل تحركاتها من ناحية، وتمكينها من إحداث اختراق في بيئة المقاومة عبر توفير أجواء من التعاطف معها تمكّنها من كسب تأييد الشباب تحت عناوين رفض سياسة «قمع وإرهاب المعارضين»، بعد أن وصلت هذه القوى والمجموعات إلى طريق مسدود، وأخفقت في تنفيذ الخطة الأميركية لإحداث الانقلاب السياسي على السلطة وإقصاء حزب الله وحلفائه عنها.. وظهر هذا الفشل بشكل واضح مؤخراً من خلال عجز هذه القوى والمجموعات في تحركاتها الأخيرة في إعادة إحياء الاحتجاجات الشعبية باستغلال تفاقم المعاناة الاجتماعية والمعيشية الناتجة عن انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية، التي فاقمها وسرّع من انفجارها، الحصار المالي والاقتصادي الأميركي الغربي…
ثالثاً، انّ وقوف جهات مشبوهة وراء الجريمة مرتبطة بالمخطط الأميركي الصهيوني، إنما يعود إلى سعي هذه الجهات إلى تحقيق أمرين ظهرا بوضوح من وراء الحملة ضدّ حزب الله، وطالما هدف إليهما هذا المخطط، وهما:
الأمر الأول، إثارة الفتنة والتحريض ضدّ المقاومة، وهو أمر يندرج ضمن خطة الانقلاب الأميركية، وتؤشر إليه الحملة المسمومة التي أعقبت الجريمة وتستهدف المقاومة، في محاولة مكشوفة لاستثمار الدم، لإعادة الزخم لتحركات مجموعات «الأنجيؤز»، المموّلة أميركياً وغربياً، باعتراف المسؤول الأميركي السابق ديفيد هيل في شهادته أمام الكونغرس في وقت سابق من العام الماضي.
الأمر الثاني، العمل على محاولة إحداث اختراق في البيئة الشعبية للمقاومة، وكسب مناصرين إلى جانب المجموعات المذكورة تحت عنوان اتهام حزب الله بممارسة الهيمنة والقمع لحرية الرأي والتعبير. واستطراداً تعزيز شعبية هذه المجموعات تحضيراً للانتخابات النيابية المقبلة بهدف إحداث تحوّل في موازين القوى النيابية في البرلمان لمصلحة الفريق الموالي للسياسة الأميركية…
انطلاقاً مما تقدم يمكن التأكيد على ما يلي:
1 ـ إنّ أيّ جهة سارعت إلى توجيه الاتهام إلى حزب الله، بالوقوف وراء جريمة الاغتيال، بشكل مباشر، أو غير مباشر، إنما تسهم عن قصد، أو غير قصد، في خدمة المخطط الأميركي، الذي يقف وراء العقوبات على شخصات مؤيدة للمقاومة، وفرض الحصار المالي والاقتصادي على لبنان وزيادة معاناة اللبنانيين بهدف تأليبهم وتحريضهم ضدّ حزب الله ومقاومته..
فليس خافياً، انّ واشنطن تسعى، عبر القوى والجماعات الموالية لها وبعض وسائل الإعلام المموّلة أميركياً، تسعى إلى تحميل حزب الله المسؤولية عن هذه المعاناة، لإقصائه وحلفائه عن المشاركة السلطة، وفرض تشكيل حكومة أميركية الهوى، تنفيذ أهداف الولايات المتحدة لناحية عزل المقاومة ونزع سلاحها، الذي يحمي لبنان وثرواته من الاعتداءات والأطماع الصهيونية… ويقلق كيان العدو، واستطراداً إعادة لبنان إلى زمن «قوته في ضعفه»، وخاضعاً للسيطرة والهيمنة الأميركية… وتحقيق أطماع كيان العدو في ثروات لبنان من خلال فرض ترسيم للحدود البحرية والبرية مع فلسطين المحتلة يلبّي هذه الأطماع…
2 ـ انّ تاريخ حزب الله ومقاومته الوطنية والإسلامية، يؤكد أنه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يكون وراء ارتكاب عملية الاغتيال، أو تسهيل حصولها، لأنّ ذلك يتعارض مع سياسته التي تعطي الأولوية لوأد الفتنة وقطع الطريق على المشاريع والمخططات الأميركية الصهيونية لإشعالها، وفي هذا السياق فإنّ حزب الله اتبع سياسة التسامح مع العملاء بعد التحرير عام 2000، رغم الفظاعات والجرائم التي ارتكبوها خلال مرحلة الاحتلال الصهيوني للجنوب، ومنع الانتقام منهم، وذلك حرصاً على حماية الوحدة الوطنية في المناطق المحررة، وقطع الطريق على الفتنة التي سعى إليها العدو لتعكير وإجهاض الانتصار الاستراتيجي والتاريخي الذي حققته المقاومة بإلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال الصهيوني.. كما أنّ حزب الله اعتصم بالصبر، المنقطع النظير، في مواجهة الهجمات الشرسة والاتهامات الملفقة التي تعرّض لها، والاعتداءات استهدفت انصاره، اثر حصول جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك لمنع الفتنة المذهبية…
فهل من ينتهج مثل هذه السياسة لمنع الفتنة، ويحرص الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، يمكن أن يقف وراء جريمة يعرف جيداً انها تخدم أعداء المقاومة، الذين يتربّصون شراً بها، وينتظرون استغلال أيّ حادث، صغيراً كان أم كبيراً، للنيل من صورة وسمعة المقاومة النبيلة، التي هزمت العدوين الصهيوني والإرهابي ورفعت رأس لبنان عالياً، وحمت الأمن والاستقرار ومكّنت الدولة وأجهزتها من استعادة سلطتها على المناطق المحررة…
3 ـ انّ الواجب الوطني يقتضي من كلّ حريص على التصدي للفتنة وعدم الوقوع في فخ التحريض الأميركي على حزب الله المقاوم.. أن يتصدى لهذا المخطط، بأن يربط بين إدانة اغتيال لقمان سليم، ومطالبة الجهات الأمنية والقضائية بإجراء التحقيقات المطلوبة لكشف ملابسات الجريمة ومعرفة منفذيها واعتقالهم والجهات التي تقف وراءهم… وفي نفس الوقت يعمل على إدانة وفضح أهداف الحملة الملفقة التي تنظمها قوى سياسية ومجموعات «الانجيؤز» ضدّ حزب الله المقاوم، والتي سارعت إلى استغلال الجريمة وتوجيه الاتهام له، وتحريض اللبنانيين ضدّه.. في محاولة مكشوفة لاستعادة بعض الوهج لدورها المشبوه، بعد فشلها في تحقيق أحلام واشنطن بإنجاز انقلاب سياسي على السلطة لمحاصرة وعزل حزب الله والعمل على نزع سلاح مقاومته، رغم إنفاق المليارات على دعم هذه المجموعات وغيرها من القوى السياسية التابعة.. وهو ما عرّضها لانتقادات قاسية وجّهها لها المسؤول الأميركي السابق ديفيد شينكر خلال اجتماع مع ممثليها في بيروت…