حفلت الساحة الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين، بكلام من جهات متعددة المشارب السياسية، منها ما يطرح موضوع الوصاية الدولية على لبنان، ومنها ما يهدد بأن مجلس الأمن الدولي سوف يفرض حلاً في لبنان تحت الفصل السابع وغيرها.
واقعيًا، إنها ليست المرة الأولى التي تتوجه فيها أنظار اللبنانيين الى الخارج لاستجلابه أو التهديد به ضد الخصوم السياسيين، ولكن من المفيد أن نضيء على قدرة هؤلاء في ما يهددون به.
أولاً- في التهديد بوضع لبنان تحت "الوصاية الدولية"
قبل البدء بتفنيد موضوع الوصاية، من المفيد التأكيد أن طرح "الوصاية الدولية" هو طرح سخيف وساذج، فلقد انتهى "نظام الوصاية" الدولي بشكل نهائي في العام 1994، بعدما استقلَّت جميع الدول التي كانت مشمولة بالوصاية من قبل الأمم المتحدة.
مع تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، كانت بعض الدول ما زالت خاضعة للأستعمار ولمبدأ الانتداب الذي اقرّته عصبة الأمم قبلها، لذا تمّ إنشاء نظام الوصاية الدولي (الفصل 12 و13 من ميثاق الأمم المتحدة)، للإشراف على الأقاليم المشمولة بالوصاية الموضوعة تحته، بموجب اتفاقات فردية مع الدول القائمة بإدارتها.
علماً أن ميثاق الأمم المتحدة نفسه، اقرّ في المادة 78 أن "الوصاية الدولية" تسقط بمجرد انضمام دولة إلى الأمم المتحدة، لأن مبدأ الوصاية يتناقض مع مبدأ أساسي وجوهري في الأمم المتحدة، وهو مبدأ "المساواة في السيادة بين الدول".
زد على ذلك، إنَّ مبدأ الوصاية الدولية يسقط أمام مبدأ حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها، والَّذي يُعتبر من المبادئ الآمرة في القانون الدولي، وبالتالي إن مبدأين آمرين في العلاقات الدولية: سيادة الدولة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
من هنا، فإن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وسقوط نظام الوصاية نهائيًا باستقلال الدول المحددة التي كانت مشمولة بقرار الوصاية، يؤكدون أن طرح مبدأ "الوصاية على لبنان" لا يعدو كونه طرحاً سطحياً من غير أصحاب اختصاص، وساقط قانونياً.
ثانياً- في التهديد بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة
يندرج هذا الأمر ضمن إطارين قانوني وسياسي:
من الناحية القانونية؛ يختص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة - كما يشير عنوانه - الى "حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان". وتحدد المادة 39 (المادة الاولى ضمن هذا الفصل)، أن على مجلس الأمن أن "يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان" قبل الانتقال الى التدابير المذكورة في المواد اللاحقة.
هذا يعني أن مجلس الأمن لا يصدر قراراته بموجب الفصل السابع إلا في حال اتفقت الدول المعنية (الخمس الكبرى) أن القضية المرفوعة تشكّل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين أو أنها عمل من أعمال العدوان. هذا في المبدأ، علماً أن اتفاق الدول على توصيف القضية يأخذ الكثير من الأخذ والردّ السياسي والمفاوضات بين الدول الخمس الدائمة العضوية، للاتفاق على التوصيف، الذي لا يصدر إلا بعد اخذ مصالح الدول الكبرى بعين الاعتبار.
ثم، في حال تمّ الاتفاق على توصيف القضية بأنها تشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، فإن المواد اللاحقة في الفصل السابع (المواد 40 و41) تحدد آليات تدريجية غير عسكرية يمكن أن يلجأ لها مجلس الأمن (مفاوضات، قطع علاقات دبلوماسية، حصار الخ...). وإذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لم تحقق الهدف، يجوز له أن يقرر الوسائل التي تساهم في حفظ السلم والأمن الدولي، اي استخدام الخيار العسكري.
إذًا، إن الاعتقاد أن الفصل السابع يعني حكماً استخدام القوة العسكرية من قبل الدول الكبرى للتدخل في سيادة الدولة المعنية، هو مجرد خطأ شائع. علماً ان مصالح الدول الكبرى هي التي تحدد الوسيلة المعتمدة، وفي معظم الأحيان، تتحاشى الدول التدخل العسكري المباشر بواسطة جنودها وذلك لئلا تزج بهم في منطقة نزاع قد تؤدي الى كلفة عسكرية بشرية كبيرة.
من هنا، نجد أن قفز اللبنانيين السريع الى تهديد الخصوم بالآليات الدولية مع كل أزمة داخلية ، قد يكون مرده الى تجربتهم خلال فترة عام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاها من تدخلات دولية، وقرارات بالجملة حول لبنان من مجلس الأمن ومعظمها تحت الفصل السابع...
لكن الظروف الدولية اليوم اختلفت، فلا الأميركيين قادرين على تطويع مجلس الأمن كما كانوا يفعلون عام 2005، ولم يعد الاهتمام الأميركي بلبنان كما كان حينها، ثم إن تجربتي حرب تموز 2006، وتجربة اليونيفيل والقرار 1701، وتجربة أيار 2008، تكبح رغبة الدول الكبرى بالتدخل المباشر في لبنان.
لذلك،ِ النصيحة الى اللبنانيين: تواضعوا، وعودوا الى لبنان واتفقوا، فالخارج له مصالحه، التي تكون دائماً على حساب الشعوب والدول الضعيفة وليس لمصلحتها.