رحيل الكبار دائماً صعب، فكيف إذا كان مع آخر حبّات عنقود لبنان القديم أو لبنان الصيغة. قد يكون جان عبيد هو آخر رجال هذه الفئة من السياسيين الذين فهموا فلسفة وجود لبنان، وحقيقة ما عجز كثيرون على تَلمّسه والذي يختصر بهذا النسيج الفريد والشديد الحساسية للتركيبة اللبنانية.
هي الفلسفة التي لطالما احترمها جان عبيد وشَرع في الدفاع عنها بكياسة ديبلوماسية وباحترام أخصامها، مع صلابة في التمسّك بها.
أعترف انه في بداياتي الصحفية لم يستهوني الاسلوب السياسي لجان عبيد. انتقدته مرات كثيرة، وبقساوة في بعض الاحيان. وعندما دعاني للتحاور، ما سمح بتطوّر العلاقة بعدها، شعرت كم كنت مخطئاً ومتسرّعاً وسطحياً حتى في مقاربتي للمسائل المعقدة.
تواضعه وفهمه العميق وقدرته على التحاور مع الجميع من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، ومع رؤساء الدول وأصحاب القرار جعلت منه رئيساً دائماً للجمهورية، ولو من دون ان يدخل قصر بعبدا. قيمته السياسية لم تحجب أبداً قيمته الانسانية.
تواضع ومرونة وصَفح والحفاظ على القيم، ولذلك كانت عائلته على صورته ومثاله.
يقول جبران خليل جبران: «ما زلت أؤمن أنّ الانسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء.
كلما رحل صديق مات جزء. فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الاجزاء ميتة فيحملها ويرحل».
جان عبيد هو أحد هذه الأجزاء من دون شك.