حظي خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن أمام موظفي وزارة الخارجية في واشنطن باهتمام كبير بعدما أعلن عن الخطوط العريضة للدبلوماسية الأميركية الجديدة ولاسيما إزاء قضايا الشرق الأوسط وروسيا، ومما قاله بايدن إن أميركا عادت والدبلوماسية الأميركية عادت متعهداً ببناء تحالفات دولية جديدة للتصدي بقوة لروسيا والصين في خطوة لإنهاء السياسة التي اتبعها سلفه الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب تجاه هذين البلدين.
بايدن وفي خطابه أشار إلى نيته تعزيز الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن التي أحدثت كارثة إنسانية وإستراتيجية، مشدداً على أن هذه الحرب يجب أن تنتهي، معلناً أنه سيوقف كل الدعم الأميركي للعمليات الهجومية في الحرب على اليمن بما في ذلك التعاون الاستخباري ومبيعات الأسلحة.
وإذا ما أردنا البحث في متن خطاب بايدن وجدنا فجوات تعبّر عن تناقض واضح بخطابه الهادف إلى ترجمة الدبلوماسية الخارجية الأميركية.
كيف يمكن لبايدن وضع حد للحرب الظالمة على اليمن فيما هو نفسه كان في عداد الإدارة الأميركية الديمقراطية كنائب للرئيس الأميركي باراك أوباما والتي اتخذت قرار إعطاء الضوء الأخضر للسعودية والإمارات بشن الحرب على اليمن؟
كيف يمكن لإدارة بايدن النظر بقضايا الشرق الأوسط فيما هو نفسه كان من ضمن إدارة ديمقراطية اتخذت قرار تغيير الأنظمة في بلادنا العربية وإطلاق ما سمي بالربيع العربي وتشجيع الإسلام السياسي ممثلاً بتنظيم الإخوان المسلمين لتبوّؤ السلطة في دول عربية عدة منها مصر وسورية وتونس وليبيا وغيرها؟ ألم تبشرنا وزير الخارجية الأميركية حينها كوندا ليزا رايس بالفوضى البناءة وبشرق أوسط جديد؟
كيف يمكن النظر بقضايا الشرق الأوسط فيما غابت كل من فلسطين وسورية والاتفاق النووي مع إيران عن خطاب الرئيس بايدن؟ وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن النظر لحل القضية الفلسطينية على أساس الدولتين كما أعلن بايدن نفسه، وخصوصاً بعدما رفض وزير خارجيته أنتوني بليكن إغلاق سفارة بلاده في القدس؟
في قراءة سريعة لخطاب بايدن بالمقارنة مع مجريات الأمور، نستنتج أن ما تعلنه إدارة بايدن لا يعكس حقيقة ما تضمره تلك الإدارة.
إن أول اهتمامات إدارة بايدن هي بناء جبهة موحدة مع أوروبا لمواجهة روسيا والصين، أما فيما يخص إيران فإن إدارة بايدن تنتهج أسلوباً جديداً يعتمد على محاولة عزل إيران عن حلفائها عبر إعطاء الحوثيين فرصة وقف الحرب اليمنية والتلويح بشطبهم عن لائحة الإرهاب وذلك لزيادة الضغط على إيران للحصول على تنازلات فيما يخص التفاوض النووي.
لكن المرشد علي خامنئي قالها قولاً واحداً وحاسماً لا عودة للاتفاق النووي قبل إزالة العقوبات الأميركية على إيران، ولا تفاوض جديداً من شأنه إدخال شروط وملفات جديدة على الاتفاق، وهذه سياسة متفق عليها مع كل الأطياف السياسية في إيران.
الرد الأميركي جاء ليعبر عن عدم وجود نية أميركية لإزالة العقوبات كشرط لعودة إيران إلى طاولة المفاوضات.
من دون الدخول بالردود والتفسيرات الأميركية التي أعقبت التصريح الأميركي، إلا أن الثابت حتى الآن أننا أمام مواجهة دبلوماسية عنيفة بين البلدين يصعب التكهن بنتائجها وما إذا كانت ستؤول إلى تسوية.
وبالرغم من تغييب سورية عن خطاب بايدن، إلا أن الملاحظ وبالتزامن مع تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة عاود تنظيم الإخوان المسلمين نشاطه في كل من مصر وتونس، كما أعيد إطلاق نشاط تنظيم داعش الإرهابي في كل من سورية والعراق من جديد، إضافة إلى عودة نشاط غارات العدو الصهيوني على سورية وإعادة تسليح ميليشيات «قسد» في شرق الجزيرة السورية، كل ذلك يأتي في إطار ممارسة أقصى أنواع الضغط الاقتصادي والأمني للحصول على تنازلات سورية تسحب من رصيد التحالف مع روسيا وإيران، لكن الصمود السوري الأسطوري شكل الجواب الحازم لكل من يعنيه الأمر.
في هذا المجال وجهت مجلة «نيوزويك» المقربة من إدارة بايدن عبر كبير الكتاب في المجلة الصحفي توم أوكونور والمقرب من بايدن والمتخصص في ترجمة السياسة الخارجية الذي بادر للاتصال بجهات رسمية سورية مستفسراً عن استعداد سورية للتعاون مع إدارة بايدن.
دمشق بدورها اشترطت على إدارة بايدن تنفيذ حزمة من الشروط وقبل إعطاء أي جواب على المقترحات الأميركية وقبل إبداء أي تعامل مع إدارة بايدن ومن أبرز الشروط السورية:
– التراجع عن سياسات الإدارة الأميركية السابقة ومن ضمنها رفع العقوبات المفروضة على الدولة والشعب السوري.
– وقف التدخل في الشؤون الداخلية لسورية ولا سيما في شأن الدستور والانتخابات الرئاسية.
– انسحاب قوات الاحتلال الأميركية المنتشرة من دون إذن دمشق.
– وقف استغلال وسرقة موارد النفط والغاز السوريين.
– إنهاء المساعدة لـ«قوات سورية الديمقراطية – قسد» والجهات الفاعلة الأخرى غير الحكومية المنخرطة بالحرب في سورية.
– التوقف عن ممارسة الضغط الأميركي المانع لعودة السفارات العربية إلى دمشق.
– وقف استثمار ملف النازحين السوريين وتسهيل عودتهم إلى بلدهم.
الصحفي في مجلة نيوزويك توم أوكونور، بدوره نقل عن مسؤول سوري رفيع عدم اعتراض دمشق على إجراء اتصالات معينة وهادفة بين البلدين في حال تخلت إدارة بايدن عن سياسات سلفه ترامب والإقرار الأميركي بتنفيذ الشروط السورية.
بعد كل ما تقدم يبقى على الرئيس بايدن ترجمة نياته بالإقدام على خلع ثوب باراك أوباما الذي لبس لبوس الإسلام السياسي والسعي لإصلاح الكوارث الأمنية والصحية والتجويعية، إضافة إلى وقف جرائم القتل الممنهج لشعوب وقادة المنطقة التي ارتكبها سلفه ترامب في كل من فلسطين وإيران وسورية والعراق، والتوجه نحو الاعتراف بدول وقادة بلدان محور المقاومة والتعامل معها كدول لا يمكن تجاوزها لما فيه مصلحة الإنسانية ولمصلحة شعوب المنطقة المظلومة أصلاً من أميركا، وإلا فإن فترة جو بايدن في البيت الأبيض ستكون تتمة للإدارات السابقة ولكن بلغة الببغاء المستعرب.