لا يوجد عالم عربي في أيّ بقعة جغرافية من هذا الكوكب؛ بل عوالم عربية مشتتة تجمعها اللغة والتاريخ والحلم العربي وشعوب متآلفة فرّقتها الأنظمة السياسية، تتخطّى الحدود والأرض وتسكن النفوس العروبية، التي ما زالت تؤمن أنّ في الوحدة العربية قوّة بوجه الإستعمار والإحتلال. وباتوا قلّة.
إنّه زمن عربي موسومٌ بطغيان الحروب والأضاليل والتكفير والغطرسة والإلغائية باسم الدين.
الدول العربية تقاتلت، تآمرت، تحالفت على الإلغائية، احتلت، عاقبت، قاطعت، تجاهلت، ولئن بالشكل احياناً تعاونت وتساعدت.
ضاعت القضية الفلسطينية عند بعض العرب إلّا في البيانات البروتوكولية لجامعة الدول العربية، وتحوّلت القضية وتحوّرت، ليبدأ زمن التطبيع العربي التدريجي العلني مع العدوّ الإسرائيلي، وضمناً، يُغلق زمن ما سُمّيَ بالصراع العربي - الإسرائيلي ليبدأ زمن التحالف العربي - الإسرائيلي ومعه تخلّى بعض العرب مرّة جديدة عن القضية اللبنانية - الإسرائيلية.
قلّما توصف الحالة اللبنانية على المستوى السياسي الإقليمي أو الدولي بالـ"قضية" وكأنّها "حقبة" عابرة لا تشكّل "عثرة" في مشروع الشرق الأوسط الجديد أمام كلمة بعض العرب "النافذة" لدى الغرب أو العكس. في المحصّلة، تمّ تجاهل إبراز أهمية حالة لبنان "القضية" النموذجية ليس إلّا لتحجيم خطورتها.
أكّد لبنان على هويته العربية؛ والعروبة عقيدة يؤمن بها كثيرون. أمّا عن الدور العربي في إنقاذ لبنان سياسياً بظلّ التنافس والإنقسام في العالم العربي فبات هو الآخر بحاجة للإنقاذ.
ما زالت المملكة العربية السعودية منكفئة عن أيّ مبادرة لمساعدة لبنان في العهد الحالي، مؤتمر "الطائف" لن يتكرّر.
حضر بالأمس وزير خارجية قطر إلى لبنان غير حامل لمبادرة إنقاذيّة بل معلناً أن خطوته مكمّلة للمبادرة الفرنسية وهو يبدي استعداد بلاده للتعاون مع لبنان حول برنامج اقتصادي لاعادة الإعمار ولكن، بعد تشكيل الحكومة.
تركيا من جهتها وأمام كلّ كارثة تطرأ، تطرح استعدادها للمشاركة في إعادة الإعمار من مرفأ بيروت إلى طرابلس.
ما زالت الإمارات العربية المتّحدة تترقّب المواقف العربية حيال لبنان، وقد عيّنت سفيراً جديداً لها في بيروت ما زال في مرحلة التعارف السياسي مع المكوّنات المجتمعية اللبنانية.
رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري يزور جمهورية مصر العربية ويؤكد على التزام لبنان مقررات جامعة الدول العربية.
الجمهورية العربية السورية خارج المشهد السياسي المباشر، ولبنان منقسمٌ حول العلاقات اللبنانية-السورية بقرارات حزبيّة أشبه بالسكيزوفرينيا-السياسية.
القرار الدولي لم يصدر بعد بتشكيل حكومة لبنانية. مرحلة مراوحة بانتظار تنظيم البيت الداخلي لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وانقشاع رؤيته للسياسة الخارجية، لا سيما مع الجمهورية الاسلامية الايرانية والخليج العربي.
في خِضمّ مرحلة الوعود والمبادرات والانتظار، لبنان يغرق اقتصادياً واجتماعياً والانقسامات وصلت مرحلة لا مجال معها لبلسمة الجراح سوى بمصالحة شاملة.
والمصالحات لا تتمّ دون وساطات، وشيوخ الصلح لا "يمونون" على الجميع، فاقتضى التعطيل.
المؤتمر الدولي لإنقاذ لبنان حاجة ملحّة.
من واجب الدولة استقبال جميع الوفود الرسمية التي تبدي استعدادها للمساعدة والترحاب بمشاعر الأخوّة والصداقة ويبقى امامها تحدٍّكبير في كيفية بحث مشاريع "إعادة الاعمار" ووفق أي أسس!؟.
لم تضع الدولة اللبنانية استراتيجية وطنية كاملة للنهوض بالقطاعات الإقتصادية متوافقة مع نظامها ودستورها وحافظاً لثرواتها، فهل يُملى عليها؟!.
النفط، الخصخصة، البنى التحتية، مشاريع البنك الدولي وغيره، المياه، السدود، القواعد العسكرية الخ...كلّها في دائرة التسابق الدولي في لبنان. الاتفاق الاميركي-الايراني على مجموعة محاور آتٍ وانعكاساته على لبنان ايجابية...ولو بعد حين.
في هذه المشهدية، المؤتمر الدولي حول لبنان لن يكون برعاية عربية، وذلك دون المسّ بالهوية العربية. لبنان الرسالة بلد عربي ذو امتداد مشرقي ودولي.
انّها من الثوابت التي لا يتهاون فيها لبنان ومعه الفاتيكان والاتحاد الاوروبي وايران وروسيا والصين، وبعض الدول العربية ودول اميركا الجنوبية وايضاً الادارة الأميركية.
هل يبادر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وبعد تبدّد مخاطر جائحة كورونا، وبتفويض اوروبي وقبول اميركي ومباركة ايرانية ومشاركة عربية، بطرح مؤتمر دولي برعاية فرنسا موضوعه إنقاذ لبنان؟.
تشير معلومات دقيقة من مصادر عربية أنّ الرئيس الفرنسي وضعَ خارجية بعض الدول الخليجية بأجواء المؤتمر المنوي عقده، وكان التخفّظ سيّد الموقف مع الرضى المشروط بالتشارك في المشاريع الاقتصادية. فكيفَ ستوزّع؟ خلاف جديد.