اشارت صحيفة "فايننشال تايمز" الى إن مصر بعد عقد على تنحي حسني مبارك أصبحت دولة أضعف. وحل محل وعود الثورة خنق للمعارضة وانخفاض في الإستثمار الأجنبي وتراجع في التأثير الإقليمي. وهذا الحال يختلف عما كان عليه قبل 10 أعوام عندما ألهم المصريون خيال العالم وأطاحوا بالرئيس مبارك. ولم تنه انتفاضة ميدان التحرير في القاهرة 30 عاما من ديكتاتورية مبارك بل وقلبت ستة عقود من الحكم العسكري. وقبل أسابيع أطيح بزين العابدين بن علي في تونس وبعد ذلك بمعمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن. وانتفض السوريون ضد نظام عائلة بشار الأسد، ومع ذلك كانت انتفاضة التحرير نذيرا بأن العالم العربي بدأ طريقه نحو الديمقراطية.
وذكرت الصحيفة البريطانية "مع أن جيلا بعد جيل من الانقلابيين العرب أطلقوا اسم ثورة على تحركاتهم إلا أن ثورة ميدان التحرير كانت تستحق ذلك الاسم لأن شعبا في الشوارع أطاح بنظام قوي متجذر بالجيش والقوى الأمنية، وكان شعارها الوحيد "ارفع رأسك فأنت مصري". ولم يطل وعد التحرير ليتحول إلى سراب". ولفتت الى فوز حركة الإخوان المسلمين في أول انتخابات ديمقراطية ووصول مرشحهم محمد مرسي إلى الرئاسة، لكنهم لم ضيعوا فرصتهم في عام، لأنهم لم يحكموا باسم كل المصريين وحاولوا اختطاف الثورة التي ترددوا في الانضمام إليها والسيطرة على مؤسسات الدولة، في وقت وقف فيه الجيش متفرجا ينتظر الفرصة. وذكرت كيف أدى العداء للإخوان المسلمين إلى عودة القوى السابقة التي نظمت نفسها تحت حركة تمرد والتي دعمها الجيش وشكل رؤيتها قائد الجيش عبد الفتاح السيسي. ولأن الجيش هو المؤسسة الأهم في مصر فقد حصل على جرعة من الشرعية الشعبية التي ساعدته على إعادة تكريس الدولة الأمنية. وفي شخص السيسي حصلت مصر على فرعون جديد رفعه الليبراليون واليسار الوطني الذي أطاح بمبارك. وتحرك النظام سريعا لخنق الإخوان المسلمين وقتلهم في الشوارع وملأ السجون بهم. وبعد ذلك تحرك لاعتقال أعداء الإخوان ومبارك معا. وانتخب السيسي في 2014 ومرة أخرى في 2018 في حملة ظهرت وكأنها تسويق تجاري وليس منافسة سياسية وتمتع فيها بسلطات لم يتمتع بها حتى مبارك. وقضى على المعارضة بحيث لم يعد هناك مساحة في مصر للرأي المعارض أو المنظمات المستقلة. وعلى خلاف مبارك الذي أحاط نفسه بأحسن المستشارين في مجال السياسة الخارجية، فضل السيسي المطيعين أو الرجال الذين يوافقون على كل ما يقول. وبحسب زميل سابق له يفضل السيسي الاستماع للاستخبارات العسكرية والخلية الأمنية المرتبطة بالحكومة التي يتجاهلها بشكل عام.
وكشفت الاضطرابات التي خرج منها السيسي عن فشل الإسلاميين والليبراليين والعسكر في مصر للتعايش معا. وفشل العلمانيون تحديدا بتقديم قيادة قوية ولهذا تطلعوا للجيش كي يساعدهم على التخلص من الإسلاميين وبنتائج قاتلة. ولم تنجح الليبرالية كثيرا في المجال الاقتصادي، ففي عهد مبارك وجدت الكثير من الشركات الخاصة مفيدا أن يكون في مجلس إدارتها ضابط جيش.
وفي عهد السيسي، بدا الاقتصاد المصري مثل إمبراطورية تجارية عسكرية تشمل كل شيء من تربية الدجاج إلى مزارع الأسماك ومنتجعات السياحة والبناء. وتقود شركة إنشاءات تابعة للجيش عملية بناء مشروع للسيسي وهو عاصمة جديدة قرب القاهرة بكلفة 50 مليار دولار أميركي.
واوضح يزيد صايغ من مركز كارنيغي الشرق الأوسط والخبير بالجيش المصري إن تدخل الجيش في القطاع الخاص أدنى مستوى في الاستثمار الخاص ومنذ الستينات أو في ذروة ما أطلق عليها "الاشتراكية العربية" لجمال عبد الناصر. واستفاد السسيسي من تراجع الرأي الغربي باتجاه تفضيل الديكتاتورية على الاضطرابات، وبخاصة بعد اختطاف الارهابيين للثورة السورية مما سرع بخروج تنظيم داعش. ووصف دونالد ترامب السيسي بـ "ديكتاتوري المفضل".
وفي الصيف نشر جوزيف بايدن تغريدة أعلن فيها عن نهاية ما أسماه الصك المفتوح لرجل مصر القوي. ومع ذلك تقدم الولايات المتحدة ومنذ توقيع اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية عام 1979 مساعدة سنوية بـ 1.3 مليار دولار، وعلقها باراك أوباما ولفترة قصيرة بعد انقلاب 2013. وطالما اعتبرت واشنطن هذه المساعدة كثمن صغير لمساهمة مصر في أمن إسرائيل وقناة السويس.
وفي ظل السيسي تراجعت مكانة مصر كعماد مهم في سياسة الولايات المتحدة بالمنطقة. وتم تجاوز أكبر دولة عربية من ناحية التعداد السكاني بدول مثل السعودية والإمارات العربية اللتان سارعتا بتمويل انقلاب السيسي في 2013 وتحويله كزبون. ولا يعوض احتكار السيسي للسلطة تراجع تأثيره الكبير. وهو عكس ما بدا وكأنه الحال قبل عقد من الزمان ولو لفترة قصيرة.