أساس نجاح أي خطة هو أن تكون واقعية وقابلة للتنفيذ لتحقق الأهداف المرجوة منها، نظراً إلى أن عدم القدرة على تنفيذها يعني أنها ستبقى حبراً على الورق، وبالتالي ليس هناك من داع لها على الإطلاق. هذا هو الواقع بالنسبة إلى طريقة تعامل السلطات المعنية في لبنان في مواجهة فيروس كورونا المستجد، خصوصاً في الشق المتعلق منها بالإقفال التام، حيث في كل مرة يعود الحديث، عند إرتفاع الإصابات إلى الحدود القصوى، عن عدم إلتزام المواطنين بالإجراءات، الأمر الذي يتطلب العودة إلى تشديدها من جديد، من دون أي بحث جدي في الأسباب الفعلية التي أدت إلى فشلها.
قبل نحو اسبوع من إنتهاء مرحلة الإقفال التام في الثامن من شباط الحالي، كان من الواضح أن نسبة الإلتزام تراجعت بشكل لافت، في حين كانت التحركات الإحتجاجية تزداد حدة بسبب عدم تزامن الإجراءات مع تقديم مساعدات إلى الأفراد والمؤسسات تساعدهم على الصمود، في الوقت الذي كان فيه المسؤولون يصمّون الآذان أمام الدعوات إلى أخذ الواقع الإقتصادي بعين الإعتبار، طالما هم عاجزون عن القيام بأي خطوة عملية على هذا الصعيد.
يوم الاثنين الماضي، تقرّر الإنتقال إلى المرحلة الأولى من إعادة الفتح التدريجي، حيث كان من المفترض أن تعود بعض القطاعات إلى العمل ضمن شروط معينة على أن تبقى باقي القطاعات مقفلة، إلا أنّ اللافت كان أمرين أساسيين: الأول هو غياب مفهوم الفتح التدريجي بسبب غياب الأجهزة الرقابيّة التي من المفترض بها مراقبة الأمر، أما الثاني فهو غياب المعايير الواضحة لإختيار هذه القطاعات دون سواها، حيث أن هناك الكثير من القطاعات التي لا يؤدّي إعادة فتحها إلى حصول تجمّعات كبيرة لا تزال مقفلة.
هذا الواقع، دفع بالعديد من جمعيّات التجار في المناطق إلى رفع السقف عالياً، بسبب التداعيات الكارثيّة التي ستترتب على الإستمرار في الإقفال فترة إضافية، خصوصاً أن كل مرحلة من مراحل إعادة الفتح التدريجي تمتد نحو اسبوعين، في حين أن الكثير من المؤسسات لم تعد قادرة على الصمود أكثر، وبالتالي هي قد تكون مضطرة إلى الإقفال نهائياً أو الحدّ من عدد العاملين لديها، في وقت من المفترض أن يكون هدف المسؤولين، في ظل الأوضاع التي تشهدها البلاد، هو تشجيع جميع المؤسسات على الإستمرار أو توسيع أعمالها.
في مقابل ذلك، وقبل الحديث عن النتائج التي حققها الإقفال طالما أن نسبة إيجابية الفحوصات لا تزال مرتفعة جداً (أكثر من 20%)، وجب السؤال عن الإجراءات التي من الضروري القيام بها كي لا يعود المسؤولون نفسهم إلى الحديث عن ضرورة العودة إلى تشديد الإجراءات، في ظلّ التحوّر المستمر الذي يشهده الفيروس الأمر الذي يزيد من سرعة إنتشاره، حيث بات من الواضح أن الرهان الوحيد هو على عمليات التلقيح التي تؤمن المناعة المجتمعية بأسرع وقت ممكن.
في هذا المجال، يبرزالسؤال الجوهري حول إمكانية نجاح السلطات المعنية في هذا المجال، في ظلّ الفشل الذي أظهرته في متابعة إنتشار الفيروس طوال الفترة الماضية، حيث لم تقم بالحد الأدنى المطلوب منها على مستوى التجهيزات، في الوقت الذي أظهر إستطلاع رأي قامت به الدولية للمعلومات أن نسبة الذين يريدون الحصول على اللقاح من اللبنانيين لا تتجاوز 31%، ما يعني وجود مشكلة على مستوى توعية المواطنين تضاف إلى كارثة التأخر في تأمين اللقاحات، التي قد يكون أبرزها ما يحصل على مستوى اللقاح الصيني، على سبيل المثال، المعتمد من قبل الكثير من الدول بينما في لبنان يجري الحديث حاليًّا عن مطالبة الشركة المعنية تقديم الملف الكامل لدراسته قبل منح الإذن بإعتماده.
في المحصّلة، الفشل القائم على مستوى مواجهة الفيروس مستمرّ، سواء على مستوى الإجراءات المتخذة أو على مستوى التجهيزات المطلوبة، الأمر الذي يفتح الباب أمام إحتمال عودة المسؤولين إلى تحميل المواطنين مسؤوليّة فشلهم من جديد، عبر العودة إلى سياسة الإقفال قبل الإنتهاء من فترة إعادة الفتح التدريجي ربما.