تتصاعد المواقف بين أميركا وإيران، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على استلام جو بايدن الإدارة في البيت الأبيض. حتى اللحظة، وعلى عكس التمنّيات التي كانت موجودة قبيل الانتخابات الأميركية، يبدو ان الأجواء ضبابية، في ظل التصعيد من قبل إدارة بايدن تجاه طهران، ورفض الأخيرة المطلق لأيّ مفاوضات قبل رفع العقوبات.
ورقة تلو الأخرى، ترميها طهران على طاولة المفاوضات النووية مع أميركا. بدءًا من المراحل الخمس لتخفيف الالتزامات النوويّة التي بدأتها مع انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، مروراً بقرار البرلمان برفع مستوى التخصيب إلى نسبة الـ20%، وصولاً إلى تصريحات وزير الاستخبارات والأمن محمود علوي الذي لمّح إلى إمكانية امتلاك إيران سلاحاً نووياً.
لم تمرّ تصريحات علوي، وهو من أطلق عليه بعض المراقبين لقب وديعة المرشد الأعلى علي خامنئي في الحكومة، مرور الكرام، خصوصاً أنها جاءت عبر التلفزيون الرسمي الإيراني. حيث أشار: "برنامجنا النووي هو برنامج سلمي وقد قال القائد الأعلى بوضوح في فتواه، إن إنتاج أسلحة نووية مخالف للشريعة وأن الجمهورية الإسلامية تعتبره ممنوعا، ولكن إذا وضعت قطة في الزاوية، فقد تتصرف بشكل مختلف عن القط الذي يتجول بحرية. إذا دفعوا إيران في هذا الاتجاه، فلن يكون ذلك خطأ طهران بل خطأ أولئك الذين دفعوا بها إلى ذلك".
لطالما استخدمت الجمهوريّة الاسلاميّة قضية فتوى "حرمة" استخدام السلاح النووي، كورقة تطمينيّة أثناء المفاوضات النووية. لكن اشتداد حجم التجاذب بين واشنطن وطهران أدى إلى اللعب على هذا الوتر. بعض النخب في إيران، وخصوصاً تلك الموجودة في الدولة العميقة في البلاد، المتمثلة في السلطة الدينية، تريد اظهار القدرات أمام "الأعداء"، وتدعو إلى تأكيد قدرة البلاد على تصنيع سلاح نووي ولو لم تستخدمه.
هذه النظرة، ليس بعيدة عن الفقه السياسي لمؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، الذي اعتبر دائماً أنه "إذا كان علينا الاختيار بين الحفاظ على النظام الإسلامي والحفاظ على بعض الأحكام الإسلامية، فإن الحفاظ على النظام الإسلامي هو بالتأكيد أولوية". من هنا تأتي فرضيات تعديل الفتوى الشرعية.
أصوات كثيرة دعمت حديث علوي. فقد رأى مسؤول طاولة السياسة الخارجية بمركز دراسات الرئاسة الايرانية دياكو حسيني أن فتوى تحريم الاسلحة لم تتغير لكن كلام وزير الامن بسيط وعميق وواضح، "فإذا كانت نتيجة صناعة القنبلة النووية هي العقوبات وعدم صناعتها العقوبات والتهديد العسكري، فالعقل والشرع يميلان للخيار الأول، وبالتالي نحن أمام اختبار لواشنطن وليس طهران".
كذلك رأى الصحفي الايراني هادي محمدي أن "فلسفة فتوى تحريم السلاح النووي كانت بسبب قدرتها على تدمير وقتل الابرياء، والسؤال الذي يطرح نفسه هو إن ايران تمكنت من صناعة صواريخ ذكية دقيقة جدا يمكنها استهداف المراكز العسكرية بدقة فهل لاتزال أسلحة الدمار الشامل محرمة"؟.
في مقابل هذه النظريات الداعمة لحديث علوي، برز رأي آخر في طهران، حذّر من الحديث عن ذلك. وجهة النظر هذه، مبنية على أنه إذا كان لعلوي رأيهالشخصي في قضايا مهمة في البلاد، فيمكنه الاحتفاظ بها لنفسه أو تقديمه بإسمه كشخص عادي عندما لا يتحمل أي مسؤولية. إلا أن الحديث عبر منصب وزير، فعليه التنبه لما يقوله لكي لا يعتبر حديثه نيابة عن الجمهورية الإسلامية.
في هذه الظروف الموجودة حالياً، فتوى خامنئي التي صدرت في العام 2003 هي تحريم صناعة الأسلحة النووية. لكن الديناميكيّة الموجودة في الإفتاء وفق الضرورات، قد تغيّر الواقع، ويسمح لإيران ببدء مسارها العسكري، ما يفتح المجال أمام تساؤلات كثيرة عن سباق التسلح الذي سيحصل في المنطقة.