بعد إحتجاجات 17 تشرين الأوّل 2019 والتي كانت بمثابة نقطة الماء التي أفاضت كوب الإنهيار، راح سعر صرف الدولار الأميركي يتصاعد تدريجًا من 1500 ليرة لبنانية، وُصولاً إلى مُلامسة عتبة العشرة آلاف ليرة ليرة لبنانيّة في مرحلة من المراحل. وقد إستغلّ عدد من التجّار وبعض أصحاب المتاجر الكبرى (سوبرماركت) هذه الفوضى لزيادة الأسعار بشكل غير منطقي، بهدف تحقيق الأرباح الماليّة الفاحشة، على حساب لقمة عيش المواطن اللبناني. والإثباتات دامغة:
في كلّ مرّة كان يزيد سعر صرف الدولار في السوق السوداء، كان يُسارع بعض أصحاب السوبرماركت خلال الليل إلى نزع مُلصقات الأسعار عن رفوف البضائع، وإلى زيادة الأسعار بشكل فوري! وعندما كان المواطن يشتكي بأنّ هذه البضائع موجودة ومخزّنة في المُستودعات، وبالتالي هي مُستوردة على السعر المنخفض، وأن إستيراد أي بضائع جديدة على سعر أكثر إرتفاعًا يستغرق أقلّه ثلاثة أشهر، كان ردّ التجار المُستغلّين لمُعاناة المواطن اللبناني، أنّهم مُضطرّون لزيادة الأسعار للحفاظ على رأسمالهم، بمعنى أنّه إذا كانت قيمة البضائع في متاجرهم تبلغ على سبيل المثال مليون دولار، عليهم أن يحافظوا على هذه القيمة وأن يُعاودوا شراء نفس حجم البضائع، وأنهم إذا أبقوا سعر المبيع منخفضًا سيضطرّون إلى خفض رأسمالهم!.
وقد تأقلم المُواطن على مضض مع هذه السياسة الظالمة، وشهد زيادة مُضطردة لأسعار السلع والمُنتجات، بشكل غير مُبرّر على الإطلاق، وراحت الأسعار ترتفع جنونيًا بالتزامن مع مُلامسة سعر صرف الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة لبنانيّة في إحدى المراحل. والمُفارقة أنّه في مرحلة مُعيّنة إنخفض سعر الصرف عند الحديث عن قرب تشكيل حكومة إلى نحو ستة آلاف ليرة لبنانيّة، لكن أيّا من التُجّار لم يُقدم على إعادة خفض أسعاره ولوّ لأيّام معدودة! وهذا يعني أنّ هؤلاء التجّار جاهزون فقط لزيادة أسعار البضائع الموجودة لديهم بشكل فوري، لكنّهم غير مُستعدّين لإعادة خفضها تحت أي إعتبار!.
أكثر من ذلك، وعلى الرغم من أنّ سعر صرف الدولار الأميركي يتراوح بين ثمانية وتسعة آلاف ليرة لبنانيّة للدولار الواحد، منذ أشهر، فوجئ المواطنون مع إعادة فتح أبواب السوبرماركات خلال الأيّام القليلة الماضية، بزيادة لا تقلّ عن 20% على أغلبيّة السلع في العديد من المتاجر الكبرى، من دون أي سبب علمي مُبرّر، بل فقط في دليل إضافي على مدى جشع بعض أصحاب المتاجر الكبرى، وعن مدى سعيهم لتحقيق الأرباح الطائلة من جيوب المواطنين.
وليس بسرّ أنّ نوعية البضائع التي تباع للمُستهلك اللبناني تغيّرت كثيرًا، وصار التُجّار يستوردون علامات تجاريّة بديلة وبنوعيّة متراجعة عن تلك التي كان إعتاد عليها اللبناني في المراحل السابقة، وذلك من دول مثل تركيا وغيرها حيث تكونالعملة الوطنيّةضعيفة كما هي الحال في لبنان حاليًا، وفي الوقت عينه يعرضونها للمُستهلك اللبناني بأسعار خياليّة بحجّة إرتفاع سعر صرف الدولار، ناهيك عن قيام الكثيرين بتخبئة المواد المَدعومة أو بعرض الفتات منها بشكل خجول ومحدود، وذلك لإرغام المواطنين على شراء البضائع التي يستطيعون التحكم بسعرها من دون أي حسيب أو رقيب!.
وأمام هذا الواقع المُزري، مجموعة من الأسئلة تفرض نفسها: أين مديريّة حماية المُستهلك، وأين كل مراقبي الوزارات والمؤسّسات والهيئات اللبنانيّة المَعنيّة، من جشع بعض التجار ومن إحتيالهم على القوانين، وأين محاضر الضبط من سرقة هؤلاء لأموال اللبنانيّين في وضح النهار؟!.