تتفاوت وجهات النّظر في شأن الاحتباس الحراري، وتأثيره في ملقّ المياه "المُلتهب"، ويرى البعض، أَنّ "الاحترار العالميّ، ليس سببًا في الحُروب، أَو النّزاعات الأَهليّة، بقدر ما هو القشّة الّتي قصمت ظهر البعير".
ويُمكن مُلاحظة المُشكلة في شكلٍ أَوضح، إِذا انطلقنا مِن تقريرٍ بعنوان "خمس خرائط تقول إِنّ العالم مُقبل على كارثةٍ"، بخاصّةٍ وأَنّ بحسب تقرير الموارد العالمي (World Resource Institute) في حُلول العام 2040، ستُواجه 33 دولة في العالم، 13 منها عربيّة، وبسبب التّغيرات المُناخيّة، مخاطر الوقوع "تحت الفقر المائيّ الشّديد"، بحيث تتعرّض لفارقٍ بين إِمكاناتها المائيّة، وحاجتها إِلى المياه، يصل إِلى 80 في المئة.
ويتخطّى الموضوع حاجز الوطن العربيّ إِلى مُشكلةٍ عالميّةٍ: فبحسب تقريرٍ سابقٍ صادرٍ من البنك الدّوليّ، فإِنّ أَكثر مِن 140 مليون شخص حول العالم مُهدَّدون بالتّحوُّل إِلى "مُهاجري المناخ"، بسبب نقص المياه الشّديد، بسبب الجفاف وهشاشة المحاصيل، مع ارتفاع مُستوى البحر، وبخاصّةٍ في ثلاث مناطق أَساسيّة وهي: أَفريقيا وجنوب الصّحراء، والهند ومحيطها، والمكسيك فما دون ذلك جنوبًا، والقارة الأَميركيّة الجنوبيّة بالكامل.
تطرُّفات قاسية
وفي كتاب "مدار الفوضى: تغيُّر المُناخ والجغرافيا الجديدة للعُنف"، يرى كريستيان بارينتي، الأَكاديميّ وصحافي التّحقيقات الأَميركيّ، أَنّ سُكّان الدُّول الموجودة بين مدارَيْ السّرطان والجدي، كالصُّومال، غينيا، ساحل العاج، أَفغانستان... وهُم نحو 3 مليارات نسمة، سيتأَثّرون كثيرًا في تلك العوامل السّالف ذكرُها، بحيث قد يتسبّب ذلك في ظُهور تطرُّفاتٍ قاسيةٍ في صورة حُروبٍ أَهليّةٍ وتدفُّقات لاجئين وانهياراتٍ اجتماعيّةٍ، مدفوعةٍ كلّها بالتّغيُّر المُناخيّ.
إِلى ذلك فالأَرض تُسمّى بـ "الكوكب الأَزرق"، لأَنّ كمَّ المياه على سطحها هائلٌ، يُقارب الـ 326 مليون تريليون غالون، لكنّ 3 في المئة فقط مِن تلك النّسبة يُمثِّل المياه العذبة، وثُلثاها مُجمَّدٌ في الأَقطاب، ومُعظم البقية مُخزَّنٌ في أَماكن يصعب الوصول إِليها تحت الأَرض. لذلك فإِنّ البشر يعيشون في شكلٍ رئيسيٍّ على مياه الأَنهار والبُحيرات، في الحقيقة فإِنّ 90 في المئة مِن سُكّان الأَرض، يعيشون على مسافة أَقلّ مِن 10 كيلومترات مِن نهرٍ أَو بُحيرةٍ ما، وإِذا توتّرت كميّات الماء في تلك المصادر، ولو بنزرٍ يسيرٍ، فإِنّ ذلك لا شكّ يعني كارثةً.
ثمّة حُلولٌ؟
وبالطبع ثمّة الكثير مِن الحُلول المُمكنة، فلقد يُطوِّر أَحدُهم طُرقًا لاستخراج المياه الجوفيّة في سُهولةٍ، كما ويتمكّن الآخر مِن تحلية مياه البحر في شكلٍ أَكثر فاعليّة، وكذلك ستُطوِّر الدُّول مِن سياساتها، وقد تجد سُبلًا للتّعاون، لكن الوقت كما يبدو ليس في صالحنا، فالكثير مِن التّغيُّر يحدث في وقتٍ قصيرٍ، وتتزايد مُعدّلات التّصاعد في حالات "الشُّذوذ المُناخيّة"، في شكلٍ غير مسبوقٍ، وقد تكون توقُّعات بارينتي أَو أيٌّ من تلك الدّراسات والإِحصائيّات الّتي أَشرنا إِليها مُبالِغةً بعض الشّيء، ولكن حتّى مع ذلك فإِنّ التّغيُّر سيكون جذريًّا، وهو آتٍ لا محالة.
وحتّى ذلك الحين... يتوالى صُدور تقارير عن كُبريات المُؤسّسات والمُنظّمات الدّوليّة الّتي تهتمُّ بالبحث والتّدقيق في ملفّ المياه، ذلك العُنصر الّذي يشهد أَزمةً حقيقيّةً في عالمنا المُعاصر. وتعمد الصُّحف إِلى نشر مُصطلحٍ جديدٍ هُو "حرب المياه العالميّة"، الّتي تُرشَّح على ما يبدو منطقة الشّرق الأَوسط، مرّةً أَخرى، لتَكُون عاصمتها. فالخرائط الصّادرة عن الأَقمار الاصطناعيّة التّابعة لـGRACE (gravity recovery and climate experiment) NASA، والّتي راقبت اختلافات مجموع تخزين مياه الأَرض بين كانون الثّاني 2003 وكانون الأَوّل 2009، أَوضحت في تقريرٍ صدر العام الماضي، أَنّ أَجزاء كبيرةً مِن منطقة الشّرق الأَوسط القاحلة نسبيًّا، فقدت احتياطات المياه العذبة سريعًا جدًّا.