الأمم المتحدة... هي العنوان الذي يلجأ اليه السياسيون اللبنانيون، ولو بالمناشدة، في كل ساعة تُسدّ فيها سبُل الخروج من الأزمات، وما أكثرها. ولكن هؤلاء لا يدرون ان دواءهم الشافي ليس موجوداً في كل "محنة" في هذه المنظمة الدولية، والتي، وإن دخلنا في عمق الأحداث العالميّة، نجد انها فشلت في حلّ أزمات عالميّة دامية، فاقتصر دورها، بعد ما يسمى بحرب العراق 2003، والحروب العربيّة 2011، وأزمة دارفور والروهينغا، على توزيع بطّانيات وأغذية وإرسال موفدين لكتابة تقارير أمنيّة، وإيفاد المنظمة بأحوال البلاد.
غريب ان يطالب السياسيون اللبنانيون بدعم الأمم المتحدة في حلّ مشاكلهم الماليّة ومسألة غرقهم في الديون والفساد وعدم سيطرتهم على الوضع الأمني في البلاد مهما كانت الأسباب، لأنّ المنظمة المذكورة لم تولد لحلّ اشتباكات داخلية بين اطراف البلد الواحد، حسبما ورد في ميثاقها الأممي، والذي شارك في تأسيسها الدبلوماسي اللبناني الفذّ شارل مالك عام 1945.
ولتذكير هؤلاء السياسيين الذين يطالبون بوضع لبنان تحت بند الفصل السابع، يجهلون عمل المنظمة ومن يتّخذ القرارات الدوليّة التي توجب تنفيذها وفق هذاالبند. فأولاً، ان المنظمة الدولية لا تمتلك جيشاً خاصاً ترسله الى كل دولة لتحمي فريقا من فريق آخر يحملون نفس الهوية، لأنّ المنظمة لا تتدخل في شؤون الدولة الداخلية، حسبما أكد مصدر أممي في المنظمة لـ"النشرة".
وللتوضيح، ان ما يسمى "بالبند السابع" الذي يلوّح فيه بعض السياسيين كملجأ، هو شُكّل لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، والذي بدوره فقط هو الذي يقرّر شكل التنفيذ، وهو لا يوضع بالسهولة التي يتحدّث فيها البعض، فهو مثلا، رفض تنفيذ القرار 1701، الذي اوقف عدوان تموز 2006 ، تحت البند السابع، لأنّ اعضاء مجلس الأمن بمن فيهم الخمس الدائمي العضوية، رفضوا الأمر حينها، لأن الأمر سيجرّ البلاد الى دمار أكبر، وسيتعرّض جنود قوات حفظ الأمن الـ"Unifil" للخطر، حسبما أكد النائب السابق لأمين عام المتحدة المسؤول"سمير صنبر"، والذي شارك بصياغة القرار 1701
وتابع "صنبر" عبر "النشرة"، ان دور الأمم المتحدة في البلدان التي تعاني من أزمات، هو إرسال مفوّض خاص ليأتي بتقارير دوريّة تفيد مجلس الأمن بما يدور في البلاد، وكان آخر موفد للبنان هو يان كوبيش. وان أكثر من تقدّمه الأمم المتحدة كمنظمة، للدول المحتاجة، هو مساعدات ماليّة والدعم لمؤسساتها، اما عن إرسال الجيوش المُقدّمة فرقها من الدول المساهِمة، فقد يصدر عن الإجتماع السنوي لمفوضيّة قوات حفظ الأمن، إعادة هيكلة التوزيع لعناصر القوات الدولية، بعد النظر في قرارات مجلس الأمن الخاصة بهذا الشأن، والكلام للمسؤول الأممي.
وما يؤسف اليوم هو صدور مناشدات بعض السياسيين الذين يطالبون الأمم المتحدة وضع لبنان تحت الوصاية الدولية، وهم يجهلون تماماً انّه لا قانون او قرارفي المنظمة يقول بوضع دولة ذات نزاع داخلي تحت الوصاية الدولية. فلنتّعظ من تجربة فنزويلا واليمن وليبيا... ان أكثر ما تقدر أن تفعله الأمم المتحدة مع دولة تتخبط في نزاعاتها الداخلية،هو ان ترسل قوات ردعٍ جديدة، مرة أخرى، مكوّنة من الجيوش "الجيران"، بحيث لا قدرة ولا نيّة لأيّ جيش أوروبي او أميركي أن يضحّي من اجل لبنان، خصوصاً وان أزمته هي "داخليّة" لا تؤثر الا على نفسها. فسوريا المأزومة أصلاً وراءه، والبحر أمامه، وما له سوى الله والحلّ يأتي من الحوار الداخلي غير المربوط بأيّ أجندة خارجية.
وقبل السؤال عما ستقدمه الأمم المتحدة للبنان؟ لا بد أن نسأل، ماذا قدّم لبنان للأمم المتحدة "غير وجع الراس". ان بعض الوجوه المشرّفة للبنان التي قدمت بلدنا بأبهى صورة في المنظمة الدولية، ونذكر منهم شارل مالك، غسان تويني، سمير مبارك، الذي فاز خلال عهده لبنان بكافة أنواع الإنتخابات، وكان دوره مزدهراً حسب وصف المراقبين الدولييين، نجد أن بعد هذه الحقبة، حاولت الأمم المتحدة، وخصوصاً فترة بعد الحرب اللبنانية مساعدة لبنان في الإضاءة على دوره الثقافي والحضاري، فاقترحت عام 1993 عقد مؤتمر دولي في بيروت وإعلان العاصمة اللبنانية عاصمة إعلامية للعالم العربي، بعد إتخاذ كل من "ويندهوك" عاصمة ناميبيا، عاصمة إعلاميّة للعالم الإفريقي، وجنيف في اوروبا، وتشيلي في اميركا اللاتينية... غير ان الطلب الأممي اصطدم وقتذاك برفض رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، حسبما أكد المصدر الأممي، الذي تكهّن ان الرفض لهذا الإعلان العالمي لبيروت يعود الى "مسايرة" الرئيس للعالم الخليجي، الذي يكنّ له الوفاء والتقدير، بعدما تأكد من الجانب السوري انه مؤيّد للفكرة. وبعد ما رفض لبنان، أعطت الأمم المتحدة هذا الدور لعاصمة اليمن صنعاء، وشارك جبران تويني يومها "بغصّة" مع وفد لبناني إعلامي مصغّر بمؤتمر صنعاء الدولي.
اما على الصعيد العسكري، فقد أصدر مجلس الوزراء بتاريخ 22 آب 2019 قراراً بتكليف الجيش ان يرسل ضباطاً وجنوداً للمشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بحيث تصبح المؤسسة العسكرية جزءاً من المنظومة الأمنيّة لحفظ الأمن والسلام في العالم. وأكد مصدر إعلامي عسكري في الجيش اللبناني، ان الجيش جاهز للمشاركة في عمليّات حفظ السلام على صعيد "ضباط مراقبين" كمرحلة أولى، لأنّ الأحداث الأمنيّة الحاصلة في لبنان تستوجب حضور العسكر بكامله لحماية وضبط الأمن في الداخل اللبناني.
على أمل ان يستعيد لبنان دوره الريادي القائد، بدل دور الاستعطاء "الشحادة" الأمنيّة والماليّة، في منظمة الأمم المتحدة والدول الأعضاء في المنظمة الدوليّة، يبقى قول القرآن الكريم: "لا يغيّر الله ما بقومٍ... حتى يغيّروا ما بأنفسهم".
سمر نادر
الأمم المتحدة-نيويورك