انخفضت قيمة الليرة اللبنانية، منذ تفجر الأزمة المالية الاقتصادية الاجتماعية، والتراجع المستمرّ في الوضع الاقتصادي على خلفية الحصار الأميركي الغربي، وشلل السلطة التنفيذية، نتيجة الصراع السياسي المحتدم من ناحية، والضغوط الأميركية لمنع تشكيل حكومة تعبّر عن توازن القوى النيابية من ناحية ثانية، وبلغ الانخفاض مقابل الدولار مستوى فاق خمسة أضعاف ما كان عليه سابقاً، أيّ أنّ الدولار الواحد قفز سعره من 1500 ليرة، الى نحو 9000 ليرة، ما أدّى بطبيعة الحال إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وخصوصاً الفقراء وذوي الدخل المحدود، إلى مستويات لم يعهدوها من قبل في كلّ الأزمات التي واجهتهم، بسبب السياسات الاجتماعية الليبرالية المتوحشة، التي انتهجتها الحكومات الحريرية، منذ وصول الرئيس الراحل رفيق الحريري إلى السلطة وتطبيقه سياسة تقليص التقديمات الاجتماعية، وفرض المزيد من الضرائب غير المباشرة، وتمويل إعادة إعمار زائفة، نعم فيها الفاسدون بصفقتها، المضخمة التكاليف، فيما الأثرياء وبطانتهم حصدوا أضعاف أضعاف ما لديهم من أموال، عبر الاستفادة من الاكتتاب بسندات دين رُفعت فوائدها الخيالية لأجلهم، وأدت الى إفلاس البلاد، وإفقار السواد الأعظم من اللبنانيين، وجعلهم في حالة قلق على مصيرهم ومستقبلهم، ويعانون من شظف العيش، لا سيما بعد أن فقدت مدّخراتهم، جنى أعمارهم، التي أودعوها في البنوك، قيمتها الحقيقية.
ومع انّ حكومة الرئيس حسان دياب عمدت إلى دعم السلع الأساسية الاستهلاكية على سعر 3850 للدولار الواحد، وأبقت فواتير الكهرباء والمياه والهاتف على سعر 1500 للدولار، مما قلل من حدة تداعيات انخفاض قيمة الليرة، على الوضع المعيشي لعامة المواطنين أصحاب الدخل المحدود، إلا أنه مع ذلك، تدهورت القدرة الشرائية أقله إلى نصف ما كانت عليه، بالقياس إلى الدعم الذي اعتمدته حكومة دياب.. غير أنّ ذلك لم يضع نهاية لاستمرار تدهور الوضع المعيشي للفقراء ومحدودي الدخل.. لا سيما بعد ظهور وباء كورونا وانتشار خطره، ما أدى إلى تراجع إضافي في الاقتصاد نتيجة شلل الحركة الاقتصادية، وبالتالي توقف العمال الفقراء عن العمل اليومي، مصدر رزقهم الوحيد الذي يعتاشون منه…
لم يجر الانتباه إلى هذه الشريحة الاجتماعية من اللبنانيين التي يمكن القول إنها سحقت، مرتين:
ـ مرة بفعل انخفاض القدرة الشرائية، بعد انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار.
ـ ومرة ثانية، بسبب الشلل الذي أصاب النشاط الاقتصادي والإقفال العام على خلفية انتشار وباء كورونا…
فالدعم الذي قدّمته الدولة للسلع الاستهلاكية، ولا تزال تقدّمه، رغم انّ الذي استفاد منه، الغني والفقر، والذين تحسّنت قدرتهم الشرائية، والذين تراجعت قدرتهم الشرائية، إلا أنه لم يحلّ مشكلة الذين أصبحوا عاطلين عن العمل بفعل:
اولا، إفلاس مؤسسات خاصة، وتسريح عمالها وموظفيها، أو إقدام مؤسسات أخرى على رواتبهم إلى النصف، بعد انفجار احتجاجات 17تشرين الثاني عام 2019، والانهيار الاقتصادي.
ثانيا، توقف النشاط الاقتصادي بعد اجتياح جائحة كورونا لبنان، وانتشار الوباء على نحو خطير.. واضطرار الحكومة إلى اتخاذ إجراءات لمكافحة انتشار الوباء بالإقفال العام ومنع التجوال.
من هنا عمدت حكومة تصريف الأعمال إلى إقرار ما كان يجب أن تبادر إليه منذ البداية، بدلا من سياسة الدعم، إقرار مشروع دعم 600 ألف عائلة سحقتهم الأزمة، وخصّصت لكل عائلة، في هذا المشروع، شهرياً، مليون و300 الف ليرة، وأحالت المشروع إلى مجلس النواب، لأنّ تنفيذه يحتاج إلى إقراره من المجلس بموجب قانون…
حسناً فعلت حكومة تصريف الأعمال، وإنْ تأخرت… مع انّ الأمر يتطلب، لاحقاً، تحديد عادل للعائلات التي تستحق الدعم…
لكن الكرة الآن أصبحت في مجلس النواب، المطالَب بأن يعقد جلسة عاجلة لإقرار المشروع، لأنّ الفقراء الذين سحقتهم الأزمة، باتوا يعانون للبقاء على قيد الحياة، وهم بأمسّ الحاجة، اليوم قبل الغد، لدعم الدولة لتوفير الحدّ الأدنى من مقومات العيش..
ألا تستأهل هذه العائلات المحرومة والتي تدفع ثمن السياسات النيو ليبرالية المتوحشة، والصراعات السياسية والحصار الأميركي، ألا تستأهل جلسة خاصة نيابية لإنصافهم وتقديم الترياق الضروري لهم كي يتمكنوا من البقاء.. وليس العيش بنعيم، كمن استفادوا من الأزمات، وحققوا ويحققون الأرباح الطائلة، التي تزيدهم غنى وثراء فاحشاً، أو استفادوا من دعم المواد الاستهلاكية.
فكيف يمكن للفقراء أن يستفيدوا حتى من دعم المواد الاستهلاكية، وقد أصبحوا إما عاطلين من العمل، أو غير قادرين على تحصيل قوت يومهم بسبب توقف النشاط الاقتصادي والاقفال العام، نتيجة انتشار خطر وباء كورونا…