يتخبط العالم بأسره بشتى أنواع العراقيل والصعوبات، بسبب تفشي وباء كورونا "كوفيد ١٩"، ممّا أفقد المجتمع حالة الاستقرار والامان. هذا التخبّّط أثّر سلبًا على الحياة العائلية والزوجيّة، كماعيش حالة العشق والغرام، وحرم البعض من التعبير عن تلك الحالة بطريقة تقليدية واعتيادية (كالعناق واللمس وغيرها)، بسبب التباعد الاجتماعي والجسدي معاً. لسنا بحاجة الى سرد وتوصيف مرارة الواقع الأليم، الذي طرأ على العلاقات الانسانية وبدّل نمط الحياة الإجتماعية والعائلية والزوجية، مما زاد من حالات التوتر الشديد وانعكس بشكل مزعج على نوع ومسيرة الحياة الزوجية، فتفاقمت الازمات والحالات النفسيّة المعقدة والمضطربة، ولونها بالاشمئزاز والاحباط والابتعاد عن مفاتيح وينابيع الحياة، وبخاصةٍّ المبادئ والقيم والمفاهيم الصحيحة للحب والعشق.
احتفال بفرح الحبّ
إنّ الاحتفال بعيد العشّاق هو احتفال بنجاح عيد الحبّ واستمراريته، كما باعادة تقويم وتقييم دائمين. من هنا لا بدّ للشركاءعامة وللمحبّين خاصةٍ، النظر نحو العلى حيث الآفاق مفتوحة والأبواب مشرّعة نحو " الأفضل" و"الممكن". يدعو عيد العشاق كل محبٍّ، مهما بلغ عمره او فترة ارتباطه بالحبيب، الى ان يكون ويبقى " إيجابيًا " ومناضلًا من أجل تحقيق بعض الاهداف الايجابية نحو عيش فرح الحبّ وتحقيقه.
بالتأكيد عيش فرح الحبّ وتحقيقه، بالرغم من كلّ شيء، ليس عملية حسابية او ارتجالية او اعتباطية، بل هو عملٌ جادٌ ورصين، مكلّلٌ بالمنطق والقلب معاً. ألا نؤمن بأن وجود الانسان بسبب الحبّ وان يكون في الحبّ، اي في ذات الله، الذي فاضت محبته فقام بفعل الخلق، واعطى المحبين نعمة وقدرة الخلق والابداع؟.
خُلق الانسان من الحبّ ومن أجله. فالحبّ لقاء الروح بالروح والقلب بالقلب، والجسد بالجَّسد، وهذا يسهم في المشاركة معاً في وليمة الحياة. الحبّ يُحي الانسان، من دونه الحياة موت بطيء.
الحبّ يخرج الانسان من الظلمة والتقوقع والأنانية والخوف والغربة، ويساعده في معرفة ذاته بعمق، لاسيما في معرفة الآخر .
ألا يسهم الحبّ في ايجاد مخارج للصعوبات والتعقيدات التي هي من تركيبة الحياة المشتركة ؟ ألا يهب الحبّ الناضج والواعي والمسؤول حالة من الفرح والامان والاستقرار والتوازن؟ ألا يعزّز الثقة بالنفس وبالآخر ؟
بالتأكيد من أجل الوصول الى حالة الفرح و"السعادة المعقولة "ضمن الحياة الزوجية، لا بدّ من معرفة وإدراك ماهية الحبّ والزواج والعائلة، متّكلين على الوعي والنضج والعاطفة والانجذاب والغرام وغيرها من العوامل الأساسية والجوهرية لنجاح مسيرة الشراكة المتعافية. من هنا لا بدّ من وضع حدٍ للوهم والخيال والافكار المسبقة والمعتقدات الخاطئة، بل التركيز على الحكمة والقدرة العملية والعقلية والمنطق والواقع. يُطلَب من المحبّين التحلّي بقوة " التمييز "التي تحدد الاولويات كما تحدّ من النزاعات. ألا يتوجب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، من الشابة والشاب، معرفة التمييز بين حالات الغرام والاعجاب والانجذاب وبين الحبّ؟ هل يميّز شبابنا وشاباتنا بين الحبّ الرومانسي والحبّ التملكي؟ وبين الحب الرزين والحبّ الوهمي؟.
حب يتجدّد ولو عن بعد
نعم للحبّ، نعم للمشاركة والتفاعل الايجابي بين الحبيب والحبيبة. هذه الامور تتطلب التفاهم والثقة والصبر والاتّصال الجيد والحنان والاحساس والعاطفة والارادة القوية والنوايا الحسنة.
نعم، بالرغم من كل شيء، ينشد الانسان الفرح والراحة والطمأنينة والسلام والنمو، اي السعادة "الممكنة" و"المعقولة ".
أظهر تفشي وباء "كورونا" تصدعًا لمفهوم الحبّ داخل الزواج، مما تسبب في ارتفاع وبروز حالات العنف الاسري، ومن أبرز الأسباب، ان الشركاء لم يفقهوا مسبقًا ماهية الحب ومتطلباته. ألم نلاحظ أيضاً تلك النزعة القوية الى احتضان العائلة، لافرادها، من خلال اكتشاف مزاياهم الجميلة وقدراتهم ومواهبهم المتعددة، وخوفهم من فقدان أحبائهم.
بالرغم من كلّ ما جرى ويجري. سيعود الناس قريبًا ومن جديد الى اللقاءات الفعليّة لاسيّما العشاق منهم، على امل ان تكون تلك المرحلة، التي جعلت بعض الاشياء والمواضيع والحالات "افتراضية" وعن "بعد"، درساً يفهمنا قيمة الحياة المجبولة والمغمّسة بالحبّ الواعي والناضج.
بالرغم من كلّ شيء يبقى الحبّ الجّامع والدّاعم والركن الاساسيّ لاستمرارية الحياة. الحبّ لا يحتاج الى عيد، لانه حالة يعايشها المحبون على مدى ساعات العمر. نعم،
عيد العشاق هو عيد تجديد العهد والوعد بين الشريكين.
إننا نرجو للحب ان يبقى مشعّاً كالقمر، وان كان "قصيًا". لا نريده حبًا وهمياً وسرابياً، إنما ساطعاً بنوره الحالم. فالحب لا نتوخاه "لحظة فرحٍ" مسروقة من كوكبنا، انما نفضّله تواصلًا واستمرارية.
نعم الحب مستقبليّ، يطمح أبدًا الى الخلود.