فـي زمن الإغتيالات والتصفيات الـجسديّة وقَتْل الشرفاء الأحرار على "هويّة آرائهم" .. لا يـجوز، ومن الـمُعيب التكلٌّم أو الكتابة عن أيّ شيءٍ آخَر.
إنَّ الطريقة التـي إتّبعَها الـمُجرِمون فـي إغتيال الباحِث السياسي والناشِط الـمُدافِع عن حقوق الإنسان لقمان سليم، هيَ الطريقة نفسها التـي إتّبعوها فـي إغتيال جو بـجانـي بالأمس وبـيار الـجميل عام 2006.
خـمس رصاصات من كاتـمٍ للصوت أودَت بـحياة لقمان. خطيـئـته، وهو خرّيج جامعة "السوربون"، أنه آمَنَ بـهذا الوطن وبالـحريّة التـي هي جوهر وجودِه، وناضلَ من أجل الدفاع عن قِيَم الـمواطنيّة والتسامُح والتعدُّد والديـموقراطية وحقوق الإنسان. وعلى رغم إنتمائه إلـى الطائفة الشيعيّة، عُرِفَ برفضِه القطعي للطائفية ومُعارضتِه الشرِسَة لـ "حزب الله" وسلاحِه.
وكان لقمان، الذي تعرّضَ سابقاً لـحَملات تـخوينيّة عِدّة من قِبَل موالـي "الـحزب" وتركوا له رسالةْ تـهديد، ملوِّحيـن برصاص وكاتـمٍ للصوت.
إنَّ اللجوء إلـى العُنف والتـرهيب والإغتيال كوسيلة لِقمع حريّة التعبيـر والرأي الآخر، عمل جبان، لا يقوم به إلاّ قادةْ الأحزاب والـميليشيات الـمسلّحة الذين لا يؤمنون بالـحوار، والـمُجرمون الـمرتزقَة الذين باعوا شرفهُم وضميـرهُم للشيطان ولِـحُفنة من الـمال.
لا يستهدِف الإغتيال لقمان سليم وحده، إنـما اللبنانـيـيـن كلهم، وخصوصاً أصحاب الرأي الـحرّ والكلمة الصادِقة والـموقف الشجاع.
هذا الإغتيال يـخنق الأمل فـي قيام الدولة، وفـي إحتمال بِناء الثقة مع الشعب والـمجتمع الدولـي.
مِن البديهي جداً أن تُوجَّه أصابع الإتـهام إلـى "حزب الله"، بـما أنَّ لقمان كان من أشدّ الـمعارضيـن لسياسةْ "الـحزب" وسلاحِه وتدخُّلاتِه الإقليمية، ولِتحميلِه مسؤوليةْ تفجيـر مرفأ بيـروت والكثيـر من عمليّات الإغتيال..
ولكن الكلمة الأخيـرة تبقى للقضاء، الذي نأمل أن يتجرّأ لـمرّة واحدة ويكسُر قاعدةْ "حُفِظَ الـملفّ".
ولكن، لِنكُن صريـحيـن وواقعيـيـن، كيف سيتجرّأ القضاء ؟ ومَن هو القاضي الفدائي الذي سيُعرِّض حياته للموت ؟..
لا قضاء ولا عدالة فـي دولة مـخطوفة من "حزب السلاح"، ومنهوبة من مافيا أهل السلطة وأزلامهم، بالتواطؤ والتحالُف مع أصحاب الـمصارف وحاكم مصرف لبنان وحيتان الـمال... فلا "التدقيق الـجنائي" سيصِل إلـى نـتيجة، ولا التحقيقات فـي جريـمةْ تفجيـر الـمرفأ واغتيال العقيدَين سكاف وأبو رجيلي وجو بـجانـي ولقمان سليم ستكشف الـمُجرميـن القتَلة.
فـي الـخُلاصة، لـم تـنجَح منظومةْ السلطة فقط فـي عَزْل لبنان عن مـحيطِه وأصدقائِه، وفـي تغيـيـر وجهِه الـحضاري والثقافـي، والتسبُّب بإفقارِه وإفلاسِه فـحسب... بل فـي إغراقِه فـي مُستنقَع الإغتيالات والفوضى والإنـهيار الإقتصادي والـمالـي والنقدي والأمنـي.
بكلّ مـحبّة نقول لفخامة رئيس الـجمهورية، ولرئيس وأعضاء "التيار الوطنـي الـحر"، ولكلّ الـمؤمنيـن بلبنان أولاً وأخيـراً، أنه لا يـُمكِن أن ينجح "تفاهُم مار مـخايل" ولا أيّ تفاهُم آخر فـي مشروع بناء الدولة وسيادة القانون، بوجود سلاح غيـر شرعي خارج الدولة... كما لا يـُمكِن أن يُكتَب النجاح لـ "معركةْ بِناء الدولة وانتصار اللبنانيـيـن الشرفاء على حِلف الفاسدين"، كما وردَ فـي بـيان "التيار"، بوجود دويلة داخل الدولة وسلاح مُتفلِّت فـي كلِّ مكان.
قدَرُنا أن نواجِه، وأن نصمُد ولا نيأس...
لن نسكُت ولن نـختبئ، بل سنواصِل رَفْع الصوت فـي وجه ناهبـي الدولة وودائع الناس، وكل القتَلَة والـمجرميـن الذين نـحَروا الوطن من الوريد إلـى الوريد ورموه فـي قعر جهنّم...
"إنّ وضْع لبنان يستدعي القرار الـجريء، فالوضع تـخطّى الـحكومة إلـى مصيـر الوطن"، قال غبطةْ البطريرك.
ما زِلنا نعوِّل على كل الشرفاء فـي بلادي وعلى بعض القادة والنواب الذين يرفضون الواقِع الأليم والـمُخزي الذي وصَلنا إليه، وننتظر منهم صَحوةْ الرّمَق الأخيـر قبلَ زوال الوطن، فيقومون بانتفاضة مدوّية تُـخلِّد ذِكراهُم، ويدوّنـها التاريخ بأحرفٍ من ذهب.