خسرت تركيا، وسوريا، والعراق وإِيران، الّتي تتقاسم حوض نهرَي "دجلة والفرات"، وخلال سبع سنواتٍ، 144 كلم مُكعب مِن مجموع المياه العذبة المُخزّنة، 60 في المئة مِنها ناتجةٌ عن ضخّ المياه مِن الخزّانات الجوفيّة. ولقد عُدّت خسارةً تُساوي وحدَها، كميّة المياه في البحر الميت. وتضع المعلومات الّتي سجّلتهاGRACE ، "دجلة والفرات"، في خانة ثاني أَسرع مُعدّلٍ لفقدان مَخزون المياه الجوفيّة، على الأَرض وبعد الهند (حوالي 70 في المئة أَسرع مِن التّسعينات، في وقتٍ يزداد طلب المياه العذبة بكثرةٍ، وتفتقر دُول المنطقة إِلى التّعاون في إِدارة مياهها، بسبب التّفسيرات المُختلفة للقوانين الدّوليّة. تبقى الإِشارة إِلى أَنّ كميّة المياه الّتي تبخّرت في سنواتٍ قليلةٍ، كانت كافيةً لتُلبّي حاجة أَكثر من 100 مليون فردٍ كُلّ عامٍ. وأَمّا الشّرق الأَوسط، فلا يملك في الأَصل كميّة مياهٍ كافيةً حتّى يُهمل قيمتها الحقيقيّة.
إِلى ذلك فقد أَكّد تقريرٌ كان صدر عن الأُمم المُتّحدة قبل حوالي 5 أَعوام، أَنّ 47 في المئة مِن سُكّان العالم، سيعيشون في مناطق خاضعةٍ للإِجهاد المائيّ عام 2030، وستكون لندرة المياه في بعض المناطق القاحلة، آثارٌ كبيرةٌ على الهجرة. ومِن المُتوقّع أَن ينزح ما بين 24 و 700 مليون نسمة بسبب ذلك.
الآن ثمّة 80 في المئة مِن أَمراض البُلدان النّامية تعود أَسبابها إِلى المياه، ونتيجتها 3 ملايين وفاة مُبكرة(5000 طفل يموتون يوميًّا بسبب الإِسهال).
ومِن السّيناريوهات المُرتقبَة في هذا المجال، أَن يعمد بعض الدُّول إِلى قطع الأَنهر، بهدف منع دولٍ أُخرى مِن استخدام المياه في آخر مجرى النّهر، كما وسيُفجّر الإِرهابيُّون السُّدود، والأُمم الّتي لن تتمكّن مِن تزويد شعبها بالمياه، ستسقط مهما كانت مكانتها الرّاهنة... إِنّه "المُستقبل القريب بحسب ما حلّله "مكتب الأَمن القوميّ"، في الولايات المُتّحدة الأَميركيّة، مُنذُ حوالَي عامين، تلبيةً لطلب الرّئيس الأَميركيّ السّابق باراك أُوباما، التّدقيقَ في مدى تأثُّر الولايات المُتّحدة في أَزمة الجفاف. وكذلك فستخسر دولٌ كثيرةٌ قدرتها على تأمين الغذاء وإِنتاج الطّاقة، ما سيضربها في قلبها الاقتصاديّ، وعلى رأسها دول الشّرق الأَوسط وشمال أَفريقيا وآسيا الجنوبيّة... وأَمّا الدُّول الفقيرة منها، فستقع حتمًا في دائرة الحُروب الأَهليّة، كالسّودان، العراق، وباكستان...
وقد يُصبح اللُجوء إِلى قطع المياه عن الشّعب، بهدف الضّغط عليه وإِفشال أَيّ مُخطّطٍ انقلابيٍّ استراتيجيّةً "ذكيّةً"، ما قد يوقظ مُجدّدًا العُقول الدّيكتاتوريّة!. والأَخطر مِن كُلّ ذلك، الحُروب الّتي قد تندلع في البلاد غير المُستقرّة، على الممرّات المائيّة نفسها، مثل "نهر النّيل" الّذي يمرّ عبر أُوغندا، وإِثيوبيا، والسُّودان ومصر، وكذلك "نهر الأُردن" الّذي ينبع من لُبنان وسوريا، ويعبر فلسطين المُحتلّة، و"الفرات" الّذي ينبع مِن جبال تُركيا، ليعبر سوريا ويصب في العراق!.
لقد شهد التّاريخ مُعاهداتٍ واتّفاقاتٍ لتقاسُم المياه بين تلك الدُّول، ولكن مِن الصّعب أَن يُصبح أَمرٌ كهذا واقعيًّا، مع انخفاض نسبة المياه في تلك الأَنهر. كما وستحتكر الدّول الأَقوى مجرى المياه... إِنّ "مياه اليوم هي بترول الغد"، مع كُلِّ ما يُرافق ذلك مِن حُروبٍ وإِرهابٍ وصُعود في الأُصوليّة.