عشر سنوات عجاف مضت على الوطن العربي حفلت بثورات مزيفة سميت زوراً بالربيع العربي والتي عملت على تغييب مفهوم العروبة بالكامل في محاولة لاستبدال العروبة بالإسلام السياسي الذي عمد وعن سابق تصور وتصميم إلى تشويه صورة العروبة والتشكيك بالانتماء للعروبة لا بل التنكر لها.
البعض وصف ما جرى بالثورة الجماهيرية ضد الظلم والطغيان أما البعض الآخر فقد سارع إلى وصف ما حصل بصحوة إسلامية وكأن الإسلام بحاجة إلى صحوة، فيما الحقيقة أن الإسلام لم يزل بحاجة إلى تطبيق صحيح بعيداً عن خلاف الاجتهاد والتبعية وعن التحجر والتزمت وعن محاولات كيّ الوعي الذي أسفر عن تفريخ تنظيمات إرهابية استثمرت بالإسلام السياسي لمصلحة أعداء الإسلام وأعداء العروبة.
لو نظرنا إلى حال العرب بعد تلك السنوات لوجدنا أن الفوضى والفقر والخراب والدمار يعم كل الدول التي قامت بها ما سمي بثورات الربيع العربي المتلطية بالإسلام السياسي في محاولة لطمس العروبة ومحوها من ذهن الأجيال.
إن موجة تهافت بعض العرب على تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي هي نتائج إستراتيجية وضعها الغرب وأعداء العروبة وجهدوا في تنفيذها من خلال استبدال المصطلحات الإعلامية التي تحمل صفة العداء لعدو العرب والعروبة وهو العدو الإسرائيلي، فمثلاً استبدلت صفة الشرق الأوسط أو البلاد العربية بمصطلح بلاد غرب آسيا، وبدل التداول بصفة الكيان الصهيوني أو العدو الإسرائيلي صار المتداول إعلامياً صفة إسرائيل في محاولة لكيّ الوعي العربي وإلغاء فكرة العروبة الجامعة.
مؤخراً وللأسف علت أصوات وسال حبر مأجور للتشكيك بحق الفلسطينيين بفلسطين والترويج بأنها لم تكن يوماً فلسطينية الهوية وبأن القضية تخص الفلسطينيين ولا تخص العرب وذلك للتنصل من الحق العربي.
وفي محاولة رخيصة عمد بعض المفكرين والباحثين وكتّاب مقالات مدسوسة هدفها التسويق والترويج إلى فكرة تقبل الكيان الصهيوني كدولة يمكننا التعايش معه في مخالفة فاضحة لمنطق ومسار التاريخ وكل ذلك طمعاً لاسترضاء ملوك وأمراء ومشايخ الخليج المطبّعة مع العدو الإسرائيلي.
أما بعض المثقفين والباحثين وكتاب البلاط فقد أخذ في إطلاق شعارات ومصطلحات عشوائية ظاهرها وطني لكن باطنها مدسوس لا يمت للوطنية بصلة، فعندما يطلق شعار سورية أولاً أو لبنان أولاً بالترويج لتاريخ حضارات وثقافات تعاقبت على هذه الأرض بعد العروبة وليس قبلها، والتسويق لفكرة الحضارات والثقافات واللغات بأنها امتلكت أصل هذه الأرض العربية وبصورة لا تمت للحقيقة بصلة تماماً، كما زوّروا وشوهوا صحيح الدين وفسروه بصورة مزيفة كل على هواه بغرض إضعاف تماسك المجتمع العربي وإفساح المجال أمام تمكن الإسلام السياسي من تبوؤ السلطة وإلغاء العروبة.
العروبة هي التاريخ الأول من الأديان السماوية، والعروبة هوية الأرض والجغرافية والبحر والأنهار والشجر والإنسان واللغة مهما هدفت تلك الشعارات، ومهما حاول أولئك المطبعون كيّ الوعي وتزوير التاريخ، ومهما جهدوا في محاولاتهم لسلخ العروبة عن الوطن العربي، ومهما حاولوا إلغاء هوية فلسطين العربية وطمس القضية الفلسطينية.
لهؤلاء المثقفين والباحثين وكتبة البلاط نقول: العروبة لا تنتمي إلى دين ولا إلى جنسية فكل من حارب الغزاة والاستعمار دفاعاً عن الأرض وعن الحق العربي فهو عربي، وتذكروا أن محرر القدس من الصليبيين هو القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي وعلى رأس جيش عربي جرار، ومع أنه كردي الأصل إلا أن صلاح الدين الأيوبي صمم على تحرير القدس إيماناً منه بعروبة هذه الأرض وبحق العرب بالقدس الشريف، أما محمد علي باشا الألباني الأصل فكان أول من أرسى فكرة القومية العربية ضد الاستعمار الأجنبي وهو الذي وحد مصر وسورية لعشرة أعوام كاملة إيماناً منه بالعروبة وبالحق العربي، أما إبراهيم هنانو ومع أصوله الكردية إلا أنه دافع عن الأرض العربية ضد الاستعمار الفرنسي إيماناً منه بالعروبة وبهوية الأرض العربية، أولئك أثبتوا أنهم عروبيون بالأصالة رغم أصولهم الكردية والألبانية، فيما نرى أن ملوك ورؤساء وأمراء عرب تخلوا عن عروبتهم وعن هويتهم وعن لغتهم وحتى عن مروءتهم وعن كرامتهم، وإرضاءً للسيد الأميركي اعترفوا بالكيان الصهيوني الغاصب وزوروا تاريخ لغة هذه الأرض كما زوروا تاريخ فلسطين العربية.
وهنا لا بد لنا من تذكير أصحاب الحبر المسموم بالآيات والرسالات الإلهية، ونشأة الإنسانية كلها نزلت على الأنبياء في الأرض العربية ولم تكن هناك لا حضارات ولا ثقافات ونسألهم:
أنسيتم أن لغة اللـه وآياته في القران والإنجيل وحتى التوراة هي اللغة العربية؟
أنسيتم أن اللـه خاطب أبو الأنبياء خليل اللـه إبراهيم، وأنه كلم موسى كليم اللـه والسيدة مريم أم المسيح وصولاً إلى خاتم النبيين سيدنا محمد باللغة العربية.
إن العروبة لا تنتمي إلى دين واحد ولا يمكن احتكارها بجنسية بعينها لأن العروبة أكبر وأشمل من أي جنسية كانت، فالعروبة هي فعل إيمان بهوية الأرض الواسعة، والعروبة هي مظلة كل الأديان والحضارات والثقافات، والعروبة هي حامية الإنسانية جمعاء، ومن ضل العروبة أو أراد تضليل البعض عن العروبة فهو ضل عن الدين والحضارة والثقافة وضل عن اللغة والهوية والأرض والجغرافية وضل عن الوطن.
سورية العروبة في عهد الرئيس حافظ الأسد ومن بعده في عهد الرئيس بشار الأسد الأمين على العروبة ليس في سورية فقط بل على امتداد رحى الوطن العربي، نجحت في الحفاظ على توازن إستراتيجي بين العروبة والدين بعدما فصلت عروبة الدولة عن الدين، كما أن سورية الأسد رسمت حدوداً بين الدين وبين العروبة لا يمكن للدين تجاوز العروبة، وبالعكس تماماً كانت سورية ولم تزل المثال الذي يحتذى به في التمايز بين الأديان وبين الانتماء للعروبة، وهذا الأمر نابع عن إيمان راسخ بالعروبة الجامعة وبأن العروبة لا دين لها وبعد إدراك بأن سورية لا معنى لها ولن تكون سورية من دون العروبة فهذا دأب سورية العربية هكذا كانت وستبقى.
وإذا ما استعرضنا شريط سنوات الأزمة السورية لوجدنا أن كل الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي وحرمان السوريين من ثروات سورية المائية والنفطية والزراعية والصحية ومن أبسط حقوق الإنسان للاستمرار بالحياة والعيش بكرامة كله لأجل ضرب العروبة وفصلها عن قلبها المتمثل بالجمهورية العربية السورية، لكن الجمهورية العربية السورية كانت ولم تزل وستبقى قلب العروبة النابض.